واجه حزب «الصهيونية - الدينية» حرجاً شديداً عندما أقدمت الحكومة الإسرائيلية، ممثلة بوزارة الدفاع، على إخلاء البؤرة الاستيطانية الجديدة المسماة «أور حاييم» التي أقيمت على أراضي قرية جوريش جنوب شرقي نابلس . فالاتفاق الائتلافي بين هذا الحزب بزعامة بتسلئيل سموتريتش، وبين حزب «الليكود» الذي يقوده رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ، يقضي بشرعنة كل البؤر الاستيطانية المقامة على أراضي الضفة الغربية المحتلة، وتشجيع وتكثيف الاستيطان اليهودي عليها. وقيام وزير الدفاع يوآف غالانت بإصدار أمر بالإخلاء الفوري وبالقوة لهذه البؤرة شكّل صفعة كبيرة مدوية لسموتريتش، وأظهر النزاع في الصلاحيات بين وزير الدفاع، وبين الوزير في وزارة الدفاع التابع لرئاسة الحكومة «سموتريتش». حيث لم يتم تحديد وتوزيع الصلاحيات بدقة بين الاثنين.

الادعاء الذي ساقه غالانت ونتنياهو من بعده هو أن هذه البؤرة تمت إقامتها دون أخذ موافقة الحكومة ودون التشاور معها. وهو ما لم يقبله سموتريتش وقاطع على إثره المشاركة في جلسة الحكومة الأسبوعية هو ووزراء «الصهيونية - الدينية». أما شريكه إيتمار بن غفير «قوة يهودية» فأراد الاستفادة من عملية الإخلاء القسري للبؤرة الاستيطانية بتطبيق قرارات الحكومة على المباني الفلسطينية المقامة في مناطق (ج) بصورة «غير قانونية»، وفي هذا السياق أشار إلى تجمع الخان الأحمر، على اعتبار أنه يوجد قرار للمحكمة العليا الإسرائيلية منذ العام 2018 ولم ينفذ، وفي كل مرة كانت الحكومة الإسرائيلية تؤجل التنفيذ لاعتبارات سياسية وربما أمنية أيضاً.

في الواقع، لا يتعلق أمر إخلاء بؤرة «أور حاييم» بأخذ قرار الحكومة مسبقاً لإنشائها. فعملية إنشاء المستوطنة تمت بناء على برنامج الحكومة وفي ظروف مغايرة لا يتم إخلاؤها حتى لو لم تأخذ مصادقة الحكومة، وحتى لو اعتبرت غير شرعية. وما يدفع الحكومة لاتخاذ قرارات الإخلاء هو ضغوط سياسية أو أمنية شديدة. وعملية إقامة المستوطنة جاءت خلال زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان لإسرائيل، وهي الزيارة الأولى لمسؤول أميركي رفيع المستوى منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة. والهدف المعلن لهذه الزيارة محاولة التفاهم مع الحكومة الإسرائيلية على عدم القيام بخطوات أحادية الجانب تهدد فرص حل الدولتين، بالإضافة إلى الملف الإيراني وملفات أخرى.

وقد ذكرت القناة التلفزيونية الإسرائيلية «12» أن السلطات الإسرائيلية أرجأت الموافقة على خطة لتطوير مشروع استيطاني في حي «نوف تسيون» في القدس الشرقية، كان من المقرر المصادقة عليه عشية زيارة سوليفان. وحسب القناة المذكورة، فقد جاء القرار بناء على طلب من السفارة الأميركية في إسرائيل.

وهذا يعتبر التنازل الأول من قبل حكومة نتنياهو في مواجهة الضغوط الأميركية. وإخلاء بؤرة «أور حاييم» هو أيضاً محاولة من قبل نتنياهو لعدم الدخول في صدام مبكر مع الإدارة الأميركية التي تعارض السياسة الاستيطانية لإسرائيل. وعليه يمكن فهم القرار الإسرائيلي في هذا السياق، وليس في إطار التنازع على الصلاحيات، وهو أمر قائم وفعلي ولكنه ليس بهذه الأهمية التي تجعل وزير الدفاع غالانت يصدر أمراً عسكرياً بالإخلاء الفوري وبالقوة لهذه البؤرة.

الصراع بين الأطراف اليمينية الاستيطانية هو على من يكون أكثر إخلاصاً لفكرة تكثيف الاستيطان، وشطب فكرة إنشاء دولة فلسطينية مستقلة في الأراضي المحتلة عام 1967، وسيدفعها للعمل باتجاه إخلاء وهدم البيوت والتجمعات الفلسطينية تحت حجة أن القانون يجب أن يطبق على الجميع. وتعرض الخان الأحمر للتركيز من قبل غلاة المتطرفين بن غفير وزعماء «الليكود» أمثال داني دانون صاحب «خطاب التوراة»، الذي خطب في مجلس الأمن ممسكاً بكتاب التوراة، وصارخاً في وجه الحاضرين، بأن هذا هو صك ملكية لـ»أرض إسرائيل»، ويولي أدلشتاين مقدم مشروع قانون إلغاء «فك الارتباط» في شمال الضفة، اللذين زارا الخان الأحمر في خطوة استعراضية استفزازية وطالبا بهدمه. والسبب في هذا الاهتمام بالتجمع البدوي هو تطبيق الخطة الاستيطانية المسماة «1 E»، التي أقرت في العام 1997، وتوقف تنفيذها في العام 2009، ليعاد العمل على تبنيها في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي طرح خطته « صفقة القرن » لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والتي أجاز فيها لإسرائيل ضم مساحات كبيرة من الضفة الغربية، خاصة منطقة غور الأردن. وتتضمن هذه الخطة الاستيطانية بناء 4000 وحدة سكنية في المرحلة الأولى، ومنطقة صناعية، وعشرة فنادق، ومقبرة، وتمتد على مساحة 443,12 دونم من الأراضي المصادرة من قرى: عناتا والطور وحزما والعيزرية وأبو ديس، بالإضافة إلى مساحة كبيرة على الطريق «1» الذي يربط القدس بأريحا، ومنم ضمنها التجمعات البدوية مثل الخان الأحمر وغيرها. وهذه الخطة تهدف إلى قطع الطريق على إمكانية التواصل الجغرافي بين المناطق الفلسطينية التي تشكل الدولة الفلسطينية العتيدة. وإخلاء الخان الأحمر تحديداً سيسمح بامتداد الاستيطان من «معاليه أدوميم» باتجاه أريحا، وخلق ما تسمى «القدس الكبرى».

وعدم إخلاء الخان الأحمر، رغم وجود قرار من الحكمة العليا، حصل لأن الولايات المتحدة وأوروبا وضعت أمام إسرائيل خطاً أحمر كبيراً بخصوص هذا الموضوع. ورغم الدعوات التي تصدر عن وزراء الحكومة وشعاراتها، وبرنامجها الائتلافي القائم على منع الفلسطينيين من البناء في مناطق (ج) وهدم ما هو قائم، ليس واضحاً إذا ما كانت هذه الحكومة ستعمل على هدم الخان الأحمر، فالأمر مرتبط بمدى سماكة الخط الأحمر الذي تضعه واشنطن والعواصم الغربية أمام إسرائيل، وأيضاً بمدى المقاومة الشعبية الفلسطينية التي هي الأخرى يمكنها أن تشكل خطاً أحمر كبيراً في وجه العدوان الإسرائيلي.

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد