عنصرية الاحتلال من بن غوريون إلى بن غفير

وزير الثقافة عاطف أبو سيف

يبدو اندفاع بن غفير نحو المزيد من العنف ضد الفلسطينيين صادماً للبعض وكأن دولة الاحتلال لم تكن يوماً كذلك، فيما الحقيقة أن كل ممارسات الاحتلال بحق شعبنا منذ وصول أول مجموعات العصابات الصهيونية إلى فلسطين اتسمت بالعنف والأعمال غير الإنسانية وغير المشروعة. لم يكن ثمة حكومة إسرائيلية قادرة على أن تتخلى عن طبيعة الصهيونية العدوانية بل إنها كانت دائماً تكشف عن وجه مختلف من أوجه الحركة العنصرية وتعمل على تثبيت كل ما سرق من قبل الحكومة التي سبقتها. السباق الحقيقي بين الحكومة الإسرائيلية كما بين الأحزاب هو حول من يريق المزيد من دماء الفلسطينيين ومن يسرق أرضهم ومن يشردهم. فقط كان الاختلاف الوحيد في الوسيلة التي يتم فيها تنفيذ ذلك. لم يكن أبداً هناك خلاف على الفعل وعلى الغاية التي يجب تطبيقها أو تحقيقها.
السؤال الفلسطيني لم يكن يوماً سبباً للخلافات الإسرائيلية الداخلية، كما لم تكن العلاقة مع الفلسطينيين هو من يحرك أو يؤثر في البرامج الانتخابية للأحزاب ويؤثر على جمهور ناخبيها. بالعكس فإن الأحزاب التي جعلت من قضية العلاقة مع الفلسطينيين مركزاً في برامجها السياسية مثل بعض أحزاب اليسار تكاد تختفي وصار بعضها خارج دائرة البرلمان، لأن الموضوع الفلسطيني ليس حازماً ولا حاسماً في خيارات ناخب يتجه أكثر نحو اليمين.
هل هناك اختلاف في أي شيء منذ بن غوريون حين تمت النكبة حتى بن غفير. ربما على مستوى اللفظ والعبارات والمجاملات السياسية توجد فروقات بسيطة حيث كانت بعض الحكومات الإسرائيلية تقدم نفسها بوصفها ساعية للسلام وساعية لتحقيق عملية تسوية مع الفلسطينيين، وكانت تعمل مع الشركاء الدوليين من اجل الإيهام بوجود مثل هذه الجهود دون أن يتحقق منها شيء. كانت بعض الحكومات خاصة تلك التي يكون في بعض مكوناتها الائتلافية اليسار حاضراً اكثر مقدرة على تقديم نفسها للعالم وربما الضغط باتجاه إدانة الفلسطينيين أنهم لا يريدون السلام من إسرائيل بل يعيقون أي جهود حقيقة لإنجاز التسوية التاريخية المرجوة. في المقابل، فإن حكومة نتنياهو الحالية تقول صراحة وبدون مواربة، إنها لا تريد السلام مع الفلسطينيين ولا تسعى خلفه فهو هدف غير موجود. كل ما يمكن للفلسطينيين أن ينتظروه من رفاق نتنياهو وسياستهم هو المزيد من الدم والتهجير والقتل والمصادرة وتدنيس الأماكن المقدسة. حكومة تقول بشكل واضح، إنها لا تسعى لتحقيق أي مصالحة تاريخية لا تكتيكية ولا استراتيجية مع الفلسطينيين فهي تعمل من طرف واحد من أجل تثبيت كل الحقائق على الأرض، الحقائق التي تثبت البرنامج الصهيوني الذي تتبناه والذي يشكل جوهر الاتفاق بين تلك الأحزاب التي تألفت منها الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ دولة الاحتلال. لكن في الجوهر هل ثمة فرق بين هذه الحكومة وكل ما ومن سبقها؟
يصعب القول بوجود هذه الفروقات ويصعب أيضاً أن نصدق من يقول بوجودها. فمن جهة الممارسات الفعلية فإن كل الحكومات الإسرائيلية منذ بن غوريون حتى بن غفير كان هدفها الأساس استمرار احتلال أرض فلسطين، طرد الفلسطينيين من أرضهم وتشريدهم وقتلهم وتعميق وتوسيع الاستيطان. هذه كانت السمة الأبرز لكل التنظيمات والأحزاب الإسرائيلية، إنه نفس الخلاف بين العصابات الصهيونية قبل النكبة وخلال عملية تنكيب الشعب الفلسطيني بمساعدة بريطانية. كانت العصابات تختلف وتتصارع من سيقتل منا أكثر ومن سيستخدم الوسيلة المثلى من أجل تشريدنا. لم يكن هناك خلاف بين «شتيرن» و»الهاغاناة» على من يكون بنا رحيماً أو من يرأف بالأطفال ويقتل الشيوخ أو أي شيء من هذا القبيل. كان الخلاف والصراع دائماً من يقتل أكثر وبأي وسيلة. المهم أن يؤدي كل ذلك إلى إفراغ الأرض من الناس وجعلها لقمة سائغة للمهاجرين المستوطنين الذين يريدون أن يسرقوا المزيد من الأرض. نفس الصيغة التي ظلت تحكم الصراعات الصهيونية الداخلية. مرة أخرى ثمة من يرى وجوب أن يتم تقديم ذلك بخطاب أكثر عقلاني واكثر نعومة وهنا يصبح يسارياً وهناك من يرى أن صيغة الخطاب ليست مهمة ولا اللغة ولا مدى تقبل العالم لها، المهم أن يتم إنجاز الهدف وهنا يصبح يمينياً. هذا هو الفرق. أما بالنسبة لنا كفلسطينيين فلا فرق إطلاقاً.
إنه الفرق البسيط بين سياسة واحدة. الفرق الذي جوهره هو نظرة مكونات الحركة الصهيونية لنفسها. كيف يجب أن يرانا العالم. هل حقاً نكترث للعالم؟ أم أن العالم الذي كان دائماً ضد اليهود حتى نجحت الحركة الصهيونية في فرض إرادتها عليه ليس مهماً. مرة أخرى فإن الموضوع الفلسطيني ليس جزءاً من النقاش الأساسي في إسرائيل والعلاقة مع الفلسطينيين ليست هي مربط الفرس في تحديد خيارات الناخب، بل إن ثمة قضايا أكثر خصوصية تتعلق بالمجتمع وهويته وقضايا تطرفه. واستبعاد الموضوع الفلسطيني من تقرير مصير الانتخابات الإسرائيلية مثلاً هو دلالة على حقيقة غياب أي اختلاف في المواقف الحزبية الصهيونية فيما يتعلق بهذا الموضوع.
مثلاً، الخلاف، الآن، في الساحة السياسية الإسرائيلية ليس على أي شيء له علاقة بمواقف الأحزاب الحاكمة من الصراع، بل في جوهر السياسة الداخلية وملف القضاء وتدخلات الحكومة فيه وتغير القوانين. الخوف على الدولة من أن تتفكك من داخلها وعلى جودة الحكم فيها وليس على الصراع مع الفلسطينيين. ربما لو كان الموضوع الفلسطيني أساس الخلاف لصار هناك اتفاق شامل بين كل مكونات الطيف السياسي ولكن الأمر مختلف وبعيد ولا علاقة له بنا. حتى موضوع العالم الفلسطيني أو القانون بخصوص متلقي الرواتب من الأسرى في الداخل ليس موضع خلاف ولا نقاش. فالحكومات الإسرائيلية من بن غوريون إلى بن غفير لا تتغير وإن اختلفت طريقة المعالجة والتعامل معنا.

المصدر : وكالة سوا

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد