مرة أخرى ينتصر خضر عدنان على سجانيه ويفرض عليهم اطلاق سراحه من الاعتقال الإداري الظالم الذي فرض عليه، بعد أن عرًض حياته لخطر الموت وبعد أن أدركت السلطات الإسرائيلية أنه سيموت لو لم يفرج عنه، فاختارت الإفراج بديلاً لشهادة كان يمكن أن تسبب الأذى لإسرائيل على مستوى المجتمع الدولي عدا عن المضاعفات التي يمكن أن تحصل على الأرض فيما لو نفذت حركة «الجهاد الإسلامي» تهديدها وقامت بتصعيد الموقف وأطلقت وابلاً من الصواريخ على إسرائيل أو قامت بتنفيذ عمليات عسكرية أخرى.
لا ينبغي أخذ موضوع الإضراب عن الطعام الذي يخوضه الأسرى كوسيلة لمقاومة عمليات الاعتقال التعسفي او من اجل تحسين شروط حياتهم في الأسر وانتزاع أبسط حقوقهم الإنسانية التي نصت عليها القوانين والمواثيق والمعاهدات والبروتوكولات الدولية والتي تتجاهلها إسرائيل بشكل منهجي وترفض الانصياع لها على اعتبار أنها لا تقر بأنها دولة احتلال وتمارس قمعاً ضد شعب آخر يرزح تحت ظلمها وممارساتها الاحتلالية الاجرامية، على أنه عمل بسيط وهين وتضحية تنتهي آثارها بمجرد فك الإضراب. والحقيقة المرة في هذا الموضوع هي أن الأسير عندما يضرب لفترات طويلة لا تعود صحته كما كانت حتى لو لم يبدو عليه التأثر، فالإضراب يضر بانسجة وأجهزة الجسم المختلفة وبعضها ينجح بالتعافي والبعض الآخر لا يرجع لأداء وظائفه بصورة طبيعية. وهناك عدد لا بأس به من الأسرى الذي تضرروا بصورة جدية بعد الإضراب ومنهم من فقد عافيته وحياته جراء ذلك ولو بعد حين.
هذا الحديث لا يستهدف تحريض الأسرى على عدم الاضراب فلا توجد لديهم وسائل أخرى يمكن أن تحقق لهم مطالبهم بنفس فعالية الإضرابات، ولكنه قول يوضح حجم المعاناة و الأذى الذي يلحق بالأسرى وهو ما يجب أن تتنبه له المؤسسات الفلسطينية كافة بحيث تبذل كل ما في وسعها من أجل تقصير أمد إضراب الأسرى بحيث يحقق النتائج المرجوة منه و الانتصار على السجان والظلم. وفي هذا السياق لابد أن يسبق أي إضراب للأسرى تنسيق مع المنظمات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية والأحزاب والقوى استعداداً لمساندة المضربين ، وفي هذا الإطار لابد من اطلاع المنظمات الحقوقية الدولية على حيثيات الإضراب قبل حدوثه لتمكينها من ممارسة نفوذها المعنوي والضغط للإفراج عن الأسرى المضربين أو مساعدتهم في انجاز مطالبهم العادلة.
إسرائيل تخشى استشهاد الأسرى المضربين وهذا يثقل عليها كثيراً ولهذا تحاول استخدام كل الوسائل الممكنة لاطعام الأسرى ولو بالقوة، ولهذا لجأت إلى التشريع فأقرت الحكومة قانوناً يمنحها الصلاحية لإطعام الأسرى المضربين بالقوة، ولكن هذا القانون لم ير النور بعد ولم تقره الكنيست لأنه خلق ردود فعل كثيرة داخلياً وخارجياً، حتى أن جمعية أطباء إسرائيل رفضت القانون واعتبرته غير انساني وسترفض التعامل مع السلطات من أجل تطبيقه فيما لو جرى تشريعه. ولكن لا يبدو أن الحكومة الإسرائيلية الحالية رئاسة بنيامين نتنياهو المستندة عل ائتلاف أقصى اليمين في وارد التراجع عن إجراءاتها الي تستهدف الشعب الفلسطيني وأرض وطنه.
والمشكلة الإسرائيلية الأكبر هي في استمرار تطبيق الاعتقال الإداري الذي تنظر إليه دول العالم والمنظمات الحقوقية الإنسانية أنه إجراء تعسفي يجب الإقلاع عنه، وهو بالمناسبة نوع من الاعتقال توقفت عنه الغالبية الساحقة من دول العالم، فكيف وإسرائيل تدعي أنها جزء من العالم المتحضر وتقول عن نفسها أنها دولة ديمقراطية. فالاعتقال الإداري هو اعتقال يتم وفق أمر إداري لا يخضع المعتقل بموجبه لمحاكمة ولا لحكم قضائي، وبالتالي هذا يمنح الجهة التي تنفذه أن تمدده إلى أي وقت تشاء ليصبح عقوبة أشد من السجن الذي يتم بناء على قرار محكمة ومدته محددة. والقانون الدولي يجيز الاعتقال الإداري فقط في حالات استثنائية جداً، ويكون فيها خطر شديد محدق لا يمكن منعه بوسائل أخرى. وهذا لا ينطبق بتاتاً على ما تقوم به إسرائيل التي تفرج في أحيان كثيرة عن المعتقلين الإداريين وتعود لاعتقالهم مرات متكررة بحجة وجود ملفات أمنية لهم ولو كان هؤلاء يشكلون خطراً حقيقياً ليس فقط أن إسرائيل لا تفرج عنهم بل هي مستعدة لاتخاذ إجراءات ضدهم قد تصل إلى تصفيتهم جسدياً. والمسألة هنا تكمن في رغبة سلطات الإحتلال في معاقبة المناضلين والانتقام منهم أكثر مما هي تسعى لتلافي خطرهم.
على كل حال سطر الأسرى الفسطينيون ملحمة بطولية في مقاومتهم للاعتقال ليس فقط في عدد أيام الإضراب القياسية التي فاقت كل الإضرابات في التاريخ بل كذلك في نجاحاتهم المتتالية وانتصاراتهم على سجانيهم سواء في انجاز بعض حقوقهم في الأسر أو في فرض الإفراج عنهم كما حالات عديدة أبرزها حالتي سامر العيساوي وخضر عدنان، وهذه مأثرة للأسرى الفلسطينيين تضاف إلى سجلاتهم الناصعة. ويا ليت القيادات السياسية تتعلم الدرس من نضالات الأسرى وتصر على تحقيق الانجازات الوطنية الكبرى بنفس درجة تصميم الأسرى، وهذا أولاً يتطلب التعالي على المصالح الفئوية الضيقة وتغليب القضية الوطنية. نحن لا نزال بعيدين عن التعلم من هذه التجربة فعلى مستوى تركيب حكومة وحدة وطنية للاضطلاع بمهمات الوحدة واعادة اعمار غزة وتلبية احتياجات ومطالب المواطنين لا تزال بعض القوى تنظر إلى الموضوع من زاوية الربح والخسارة على مستوى ضيق وتافه، بينما المشروع الوطني يغيب في هذه الحسابات.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية