استغربَ بعضُهم لأنني لم أكتب عن مونديال قطر، قلت: كنت أتريث لاكتشف نتائج الحدث بخاصة عند الإسرائيليين، للحقيقة فإن هذا الحدث الكبير أعاد بعث القضية الفلسطينية النقيَّة العادلة قبل أن تُلوَّث بأمراض أهلها ومناصريها، لم يكن سببُ بعث قضية فلسطين النقية في مونديال قطر مخططاً له من الفلسطينيين أو العرب، بل كان عفوياً مفاجئاً للجميع، يصدر عن جينات قضية فلسطين العادلة الموروثة الراسخة في العقول والقلوب العربية والدولية.
ظلَّ المخططون الإسرائيليون يعتقدون أن هذه المناسبة الرياضية هي خطوة جديدة لنجاح التطبيع الشعبي بين المحتلين الإسرائيليين والجماهير العربية، لذلك فإنهم جندوا لها آلافاً من الصحافيين والمشجعين، جندوا أنصارهم ممن يحملون الجنسيات الأجنبية!
نشر إعلامُهُم الإسرائيلي في اليوم الأول خبرَ وصول حاخامينِ يهوديين سيشرفان على تقديم طعام (الكوشير) الحلال لليهود الحريديم ممن يتابعون المباريات الدولية!
لكنَّ النتيجة المفاجئة كانت لطمة على وجه أعضاء المطبخ الإعلامي الإسرائيلي المكون من وزارة الخارجية الإسرائيلية ومكتب رئيس الوزراء بالتعاون مع الموساد، كان هذا المطبخ يستعد للإعلان عن نجاحه في اختراق الجماهير العربية في المونديال، ظلوا ينتظرون إرسال رسائل إعلامية عن لقاءات الإسرائيليين مع المشاركين من كل الدول العربية، ولكن معظم الإعلاميين الإسرائيليين قرروا إنكار هوياتهم الإسرائيلية، والادعاء أنهم تارة من الإكوادور، وطوراً من دول أوروبية أخرى!
ظنَّ المخططون الإسرائيليون أن رفضهم سيكون فقط من (بعض) الفلسطينيين، غير أنهم فوجئوا بأن رفضهم من كل مواطني الدول العربية ومن محبي العدالة والحرية في العالم، أحسوا أنهم منبوذون، ومكروهون، حتى أن صحيفة يديعوت أحرونوت، نشرت تعليقاً للصحفية، راز معلم: «أدركنا أن الكره لإسرائيل موجود في العقول، كانوا يتمنون أن نزول من على وجه الأرض، إنّ كلَّ ما كان يشير إلى إسرائيل كان يثير الامتعاض والكره، قالوا لنا: اخرجوا من هنا»!
أما محرر صحيفة، النشرة الصهيونية، جونثان توبين، فقد كتب مقالاً متأخراً في الصحيفة بعد أن شعر بالهزيمة، 11-12-2022م قال: «برزتْ فجوة كبيرة بين الجماهير العربية وبين حاكميها، وهذا ما لم يكن في حُسبان كل الذين خططوا لاتفاقية أبراهام، يجب عدم الاستهانة بما تعرض له الإسرائيليون في قطر، وأن نعتبره أمراً بسيطاً، اعتقدنا أن العرب غضوا الطرف عن مشكلة فلسطين واعترفوا بإسرائيل، غير أن الرأي العام في تلك الدول لا يزال يرى إسرائيل دولة مكروهة كرهاً عميقاً وعدواً صهيونياً، وهذا أمرٌ كامنٌ في عقولهم، وهو لاسامية»!
لم يكتفِ بذلك بل بلغ به الغيظ أنه اتهم قطر برشوة الفيفا، واتهم قطر أيضاً برعاية الإرهابيين ومناصرة إيران، وتسخير وعبودية العاملين ممن بنَوْا صروح هذا المونديال!
أخيراً فإن الحقيقة الصادقة هي أن دولة قطر أثبتت أنها أكبر تأثيراً من قارةٍ كبيرة في مجال نشر رسالتها الإعلامية، لأنها أجادت لغة الألفية الثالثة، ألقت درساً بليغاً بلغةٍ مختصرة جديدة يقول: (إن عودة روح التضامن والتآخي مع فلسطين ليست مستحيلة، وإنَّ كل ما يُنفق في سبيل ذلك من نقود يتحول إلى ربحٍ وطني صافٍ لا يُقدر بثمن)! أخيراً يحضر السؤال المهم: كيف يمكننا استثمار هذا الحدث والبناء عليه؟!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية