هآرتس تشرح مخاطر الهدنة مع حماس!!

القدس / سوا / هناك في وسائل الإعلام الفلسطينية، في الآونة الأخيرة، نقاش ساخن حول توقيع هدنة طويلة الأمد، في قطاع غزة ، بين سلطة حماس وبين إسرائيل، على أساس مُعادلة وقف إطلاق النار مقابل إعادة إعمار القطاع. تتم من خلال محادثات غير مُباشرة، ملاحظة ظاهرة الوسطاء المُختلفين من قبل الأمم المتحدة، الدول الأوروبية، قطر وتركيا. في الوقت الذي يحذر فيه مسؤولون في فتح من احتمال أن تقوم "دويلة" صغيرة في غزة تحت غطاء اتفاق وقف إطلاق النار، فإن أعضاء حركة حماس - البراغماتيين والمتطرفين على حد سواء - يدعمون توقيع اتفاق تهدئة والذي تتم في إطاره إعادة إعمار غزة.‎

التفاوت هو في سلم الأولويات بكل ما يتعلق بإعادة إعمار غزة ورفع الحصار. ما هو الأكثر ضرورة وما هو الأقل - فتح المعابر البرية، بناء ميناء بحري عائم ومطار وكذلك تبادل الأسرى والجثث، وبالطبع - تحديد مدة زمنية لهذه الترتيبات. ولكن، يشدد مؤيدي حماس على أن الحديث هنا ليس عن تسوية سياسية وأن المحادثات، غير المباشرة، قد جاءت للتخفيف عن سكان غزة. علاوة على ذلك، يؤكدون أنهم لن يتخلوا عن المقاومة العنيفة. حتى وان تم إرجاء ذلك في قطاع غزة، للتخفيف عن المواطنين، فلا ينطبق ذلك على الضفة الغربية. لقد جاءت هذه الأمور لإرضاء كبار الذراع العسكري لحركة حماس أيضا، الذين طالتهم أيضًا الضائقة الموجودة في غزة.‎

يستند المؤيدون البارزون لوقف إطلاق النار على قضايا مُشابهة اتبع فيها النبي مُحمد سوابق في فجر الإسلام، كدليل على أنه عندما تكون هناك ضائقة يجب التصرف وفق الواقع الذي يفرض نفسه بمعنى "إدارة المخاطر". يقتبسون ذلك من التراث الإسلامي حيث قام مُحمد بفك جزء من الحصار الذي فُرض عليه في المدينة المُنورة لقاء إعطاء من حاصروه ثلث محصول التمر في المدينة (عام 627).‎

تُدرك حماس أن حكومة نتنياهو أيضا ترى بحكمها في غزة أفضل الحلول السيئة، لأنها الجهة الوحيدة التي يُمكنها أن تفرض على القطاع الاستقرار النسبي

أشاروا أيضًا إلى "صلح الحديبية" (عام 628) بين مُحمد وأعدائه في مدينة مكة، الذي كان عبارة عن وقف لإطلاق النار لمدة عشر سنوات - لم تكن تلك إلا هدنة مؤقتة لحين تحقيق الإسلام النصر الجارف. اعتمد صلاح الدين الأيوبي هذه السوابق في القرن الثاني عشر، وهو بطريقه لاحتلال كامل إسرائيل، عندما عقد هدنة مع الصليبيين في الرملة.‎

لا تشكل الموافقة المبدئية لحماس على الحاجة لنوع من الهدنة في غزة، بعد الدمار الذي لحق بها في عملية "الجرف الصامد"، مفاجئة أبدًا. بعد الفوضى التي ضربت العالم العربي، اضطرت حركة حماس إلى أن تعتمد فقط على سلطتها في غزة، وتحوّل ذلك الأمر إلى الشيء الأساسي بالنسبة لها. ولكن تقع سلطتها في غزة تحت تهديد المعارك الدائمة مع إسرائيل والحصار من قبل إسرائيل ومصر عليها.

على ضوء الإمكانيات التي تقف أمامها - قتال دائم مع إسرائيل والذي قد يؤدي بالنهاية لإعادة احتلال القطاع والقضاء عليها أو استمرار الوضع القائم الذي سيؤدي للنتيجة ذاتها - فإن التوصل إلى هدنة مع إسرائيل، لمدة ما، هو أفضل الحلول السيئة. علاوة على ذلك، إن تم التوصل إلى هدنة، قد تحقق حماس إنجازات في أعقابها، ليس في غزة (التي يُمكنه فيها تحجيم تأثير السلطة الفلسطينية) فقط، بل أيضًا في الضفة الغربية حين يكون الوقت مناسبا.

تُدرك حماس أن حكومة نتنياهو أيضا ترى بحكمها في غزة أفضل الحلول السيئة، لأنها الجهة الوحيدة التي يُمكنها أن تفرض على القطاع الاستقرار النسبي، وأن تمييزها في الضفة قد يُصعب مسألة تحقيق تسوية سياسية مع محمود عباس . تُدرك الحركة بشكل جيد عدم رغبة إسرائيل بالإقدام على احتلال القطاع والقضاء على سلطتها، لأن البديل سيكون (فوضى قد تجلب داعش مثلاً) أسوأ بكثير، وتأمل بأن يشكل ذلك الخوف دافعًا لتحسين علاقتها مع مصر.

تطمح حماس إلى خلق واقع يفيدها في تعزيز سلطتها في غزة تحت غطاء رفع الحصار وإعادة الإعمار، بينما في الضفة الغربية فإن حكم السلطة الفلسطينية آخذ بالتزعزع على إثر تجميد العملية السياسية واستمرار الاستيطان.‎ تعتقد الحركة أن هذا سيعمل على تقريب وقت فض التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. بهذا يُعطَى إثبات للشعب الفلسطيني أن طريق القوة أفضل وأنها تُعطي نتائج أفضل وأن المفاوضات مع إسرائيل هو أمر لا طائل منه. فإن إدارة الصراع أفضل من حله.‎

تستند حماس، بالطبع، على فكرها الإسلامي، وليس على استراتيجيات التوازن التي طرحها جون ناش في نظرية الألعاب. ولكن تستند الحركة، بسعيها لتوقيع "هدنة" في غزة، على خلق توزان ما مع إسرائيل في قطاع غزة، مع الحفاظ على صراعها معها في الضفة الغربية. هكذا ستفوز بالعالمين: من جهة ستنقل الصراع الأساسي مع إسرائيل إلى الضفة الغربية وستُحافظ على سلطتها في غزة.

يجب على إسرائيل، لمنع هذا التطور السلبي، أن تصيغ سياسة ذات بُعدين: بُعد سياسي، من خلال توقيع اتفاق مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية؛ على أساس المُبادرة العربية، وبُعد آخر عماده الهدنة مع حماس في غزة.

من خلال هذين البُعدين، ستبرز تنازلات حماس وتكيّفها مع الواقع. وإن كان التقدم فقط على محور غزة، ففي نهاية المطاف، قد لا تسيطر حماس على الضفة الغربية فحسب، بل ستفرض طبيعة الصراع مع إسرائيل .

هل فُرض حقًا على إسرائيل أن ترقص على أنغام ناي حركة حماس؟‎

نقلا عن صحيفة هآرتس الاسرائيلية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد