تظهر بين فترة وأخرى مقالات وتحقيقات صحفية حول مفاعل ديمونا، وتدعي هذه المقالات ارتفاع تركيز بعض المواد المشعة في البيئة المجاورة للمفاعل (منطقة جنوب الخليل بالتحديد) مثل الراديوم 226 واليورانيوم 238 وقياس تركيزات لمواد مشعة صناعية مثل السيزيوم 137 وغيرها نتيجة تسربها من المفاعل أو نتيجة دفن نفايات المفاعل المشعة في المناطق المجاورة، كما تدعي هذه المقالات أيضا ارتفاع نسبة أمراض السرطان والعقم والتشوهات الخلقية نتيجة هذه الاشعاعات، وخاصة في منطقة جنوب الخليل المحاذية للمفاعل.
اسمحوا لي وبحكم عملي السابق مدة 11 سنة كمدير لدائرة الاشعاع في سلطة جودة البيئة وكممتحن لعدة رسائل ماجستير حول الاشعاع البيئي أن أعطي رأيي بكل أمانة ومصداقية، وبعيداً عن العاطفة السياسية:
1. قبل حوالي 8 سنوات حصلت ضجة وتخوف في منطقة جنوب الخليل وظهرت العديد من المقالات في الصحف وقتها تدعي ارتفاع نسبة العقم والسرطان وغيرها. تلقينا وقتها العديد من المكالمات التلفونية والشكاوي المكتوبة وجميعها تجزم بوجود المشكلة (ارتفاع نسبة الامراض) وكان البعض يجزم أن السبب هو التسريبات من مفاعل ديمونا والبعض الآخر يجزم أن السبب هو أبراج الاتصالات! تم تشكيل لجنة بقيادة وزارة الصحة وعضوية عدة مؤسسات منها محافظة الخليل وسلطة جودة البيئة ووزارة والاتصالات والبلدية وغيرها لدراسة الوضع والخروج بتوصيات. بدأت الدراسة بعمل احصائية حول نسبة السرطان في منطقة جنوب الخليل، وكانت نتائج الدراسة باختصار: نسبة السرطان في محافظة الخليل لا تختلف عن تلك في محافظة نابلس و رام الله ، وهي نسبة تتوافق مع النسب العالمية، بل أقل من بعض الدول المتقدمة. النتائج موجودة وموثقة!
2. امتحنت 8 طلاب ماجستير في السنوات السابقة في جامعة القدس (أبو ديس) كان موضوع 4 منها هو قياس تركيز المواد المشعة في مناطق بيت لحم والخليل. لم تظهر نتائج الدراسات أي ارتفاع ملموس لتركيزات المواد المشعة في التربة، وظهر في إحدى الدراسات بعض التركيزات البسيطة للسيزيوم 137 والذي هو أصلاً غير موجود في الطبيعة. كان من السهل جداً تلبيس التهمة لمفاعل ديمونا، ولكن الأمانة العلمية جعلت الباحث يعتقد أن هذه التركيزات هي من نتائج التسريبات الحاصلة من كارثة تشيرنوبل في اوكرانيا عام 1986. تلك المواد المشعة انتقلت الي دول عديدة وتم قياسها في دول مجاورة، وانتقلت مع الغبار بفعل الرياح (كانت هذه الدراسة قبل حصول كارثة فوكوشيما في اليابان عام 2011).
3. أرجو التركيز على هذه النقطة بالتحديد: نوهنا كثيراً الى أن الهجوم على مفاعل ديمونا بهذه الطريقة (الادعاء بوجود تلوث وربطه بازياد نسبة الأمراض) هي قضية خسرانة بامتيار! وذلك لسببين رئيسيين هما:
أ) يمكن بكل سهولة أن تقوم لجنة دولية تتبع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو أي جهة أخرى باجراء دراسة حول هذا الموضوع وتظهر عدم وجود أي تلوث ناتج عن المفاعل، وبالتالي تحرج كل ادعائاتنا بوجود تلوث وارتفاع نسبة الأمراض! وعندها تتحقق براءة المفاعل من كافة التهم المنسوبه اليه! ولكن هل هناك تهم أخرى لم تنسب اليه ويمكن أن يكون المفاعل مذنبا فيها؟ نعم هناك تهمه رئيسية يتم تجاهلها وهي موضحة في البند التالي.
ب) وجود المفاعل في منطقة تبعد فقط عشرات الكيلومترات من المناطق السكنية في محافظة الخليل وبيت لحم هو أكبر جريمة يجب أن نتصدى لها (حتى لو ثبت عدم وجود أي تسريب منه حالياً). ما الذي يضمن عدم حصول كارثة نووية كالتي حصلت في تشيرنوبل في اوكرانيا عام 1986 أو تلك التي حصلت فوكوشيما في اليابان عام 2011؟ وما هو مصير المنطقة كاملة وخصوصاً جنوب الخليل في حال حصلت كارثة لا سمح الله؟ وهذه الكارثة محتملة جداً وهناك عدة سيناريوهات لحدوثها أهمها:
1) زلزال في منطق المفاعل يؤدي التي تصدعه وتسرب أطنان من المواد المشعة
منه للبيئة المجاورة.
2) صاروخ يسقط على المفاعل من أعداء إسرائيل وهم كثر ويؤدي الى تصدعه
أو تدميره وتسرب المواد المشعة منه.
3) خطأ فني من أحد العاملين في المفاعل يؤدي الى انفجار داخلي يؤدي لتدمير
جزء من المفاعل وتسرب المواد المشعة منه.
الملخص: لنكن مهنين وخاصة عندما نخاطب الأطراف الدولية، فالخطر الحقيقي من مفاعل ديمونا هو وجود المفاعل بحد ذاته للأسباب المذكورة أعلاه. وهذا ما يجب أن نخاطب به الجهات الدولية بكل قوة وأن نطالب بإزالته بالكامل لما يشكله من خطر محدق بشعبنا. ولنتجنب إضاعة مجهوداتنا في محاولة إثبات التسريب وارتفاع نسبة الأمراض والتي أعتقد انها قضية خاسرة وحرجة بامتياز!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية