خطوة استقالة أو إقالة حكومة التوافق الوطني التي نشأت بعد اتفاق الشاطئ تبدو منطقية تماماً بعد أن فشلت هذه الحكومة وأُفشلت في القيام بالواجبات المنوطة بها حسب الاتفاق المذكور فهي لم تسطع أن تفعل شيئاً في ملف إعادة الإعمار ولا في ملف توحيد مؤسسات السلطة وانهاء الانقسام ، ولا ايضاً في ملف رفع الحصار المفروض على قطاع غزة وإن كانت إسرائيل قد قامت بادخال بعض التسهيلات لأسباب تخصها ولتشجيع الذهاب نحو اتفاق وقف اطلاق نار طويل الأمد. كما أن الخلافات داخل الحكومة أثرت على عملها، وبالتالي تصبح الإستقالة أو الإقالة تحصيل حاصل. والأهم هو التوجه نحو إنشاء حكومة وحدة وطنية تضم كل الفصائل الراغبة في ذلك.
الدرس الأبرز لمسيرة حكومة التوافق الوطني هو أن الجميع تعامل معها باعتبارها مخلوقاً غريباً لا أحد معني بنجاحه أو تسهيل مهمته على الرغم من الاتفاق على تشكيل هذه الحكومة وعلى تركيبتها الوزارية، فـ» حماس » رأت فيها بديلاً لسلطتها الفعلية في قطاع غزة ولهذا أصرت على ابقاء حكومة ظل تدير القطاع على الرغم من كل الكلام الجميل الذي قيل مدحاً في الحكومة ورغبة من الحركة في تسهيل مهماتها، ولكن الواقع كان يشير إلى خلاف ذلك خاصة في إصرار «حماس» على مطالبها الخاصة وتجاهل الأمور الأخرى وخاصة موضوع موظفي «حماس» أو الموظفين الذين جرى تشغيلهم بعد الإنقلاب على السلطة، فحتى لو كان هذا الملف محقاً وذا أولوية من المفروض أن يجري حله بالتوازي مع الملفات الأخرى مثل تمكين الحكومة من السيطرة على المعابر ونشر حرس الرئيس على معبر رفح لفتحه والتسهيل على حركة المواطنين والبضائع من وإلى القطاع. ومن جانب آخر لم تقم السلطة بتطمين حركة «حماس» والقيام بخطوات ملموسة تظهر الجدية في حل ملف الموظفين العالق وهنا كان يجب تقديم بعض التنازلات التي ربما تشجع «حماس» على المضي قدماً في تطبيق الاتفاق وتمكين حكومة التوافق من أداء مهماتها مع وجود ضعف في أداء الحكومة وعدم وجود انسجام بين رئيس الحكومة د.رامي الحمد الله وعدد من وزرائه ونوابه.
ولكي يكون تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم الفصائل المختلفة بديلاً جدياً لحكومة التوافق وقادرة على انجاز ما فشلت الأخيرة فيه لابد من التركيز على عدد من المسائل الجوهرية ومنها، مشاركة حركة «حماس» المباشرة أو في ترشيح وزراء يمثلونها في الحكومة حتى لا تنظر «حماس» للحكومة على انها جسم غريب لا تكون معنية بنجاحه. والمسألة الأخرى تحديد مهمات الحكومة بدقة واختيار الوزراء القادرين على القيام بهذه الوظيف على أساس من الوعي الوطني والانسجام بعيداً عن النظر للمصالح الحزبية والذاتية الضيقة. فالمهم ليس تشكيل الحكومة بقدر ما هو توفير شروط النجاح لهذه الحكومة، فإذا كانت الشروط غير قائمة صبح الأمر سيان واي حكومة شكلية يمكنها إدارة الوضع على الطريقة الراهنة في ظل الانقسام دون تحقيق النتائج التي يتمناها ويرغب فيها شعبنا.
وأهمية حكومة الوحدة الوطنية، غير كونها تشكل حكومة الجميع وتوفر حوافز لكل الفصائل المشاركة وغير المشاركة لانجاحها والتعامل معها بإيجابية في ملف انهاء الإنقسام والاهتمام باعادة الإعمار ورفع الحصار والتنمية، تكمن في تعزيز دور منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد والغائبة عن القيام بالدور المنوط بها والمتلاشي في دور السلطة الوطنية. فحكومة مشكلة من الفصائل وبقرار ومصادقة اللجنة التنفيذية وخاضعة لإشراف المجلس المركزي هي حكومة مختلفة من حيث التركيب والأداء ومن حيث المهمات المستقبلية. ومثل هذا التطور لابد أن يقود إلى تفعيل الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير وعودة الروح للمنطمة وتوحيد التمثيل الفلسطيني أمام العالم، الأمر الذي ينهي المراهنات على تقسيم الشعب الفلسطيني وتدمير قضيته من خلال الاتفاق مع طرفين فلسطينيين:»حماس» في غزة ، والسلطة والقيادة في الضفة. فلا مجال هنا لاتفاقات جزئية تبقي الوضع الراهن ليس فقط الإنقسام وتبعاته، بل تكريس الإحتلال وعمليات الإستيطان وتهويد الضفة الغربية المحتلة وفي القلب منها مدينة القدس وضواحيها.
ولا تقتصر أهمية تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة «حماس» والفصائل الوطنية الأخرى على حل المشكلات والنهوض بالمهمات المذكورة آنفاً، بل أنها ستعزز من وضع القضية الفلسطينية في المحافل الدولية وخاصة في الوقت الذي تخوض فيه فلسطين صراع تثبيتها على الخارطة الدولية والإقليمية كدولة معترف بها إعترافاً كاملاً على حدود العام 1967.مما يساعد في الحصول على مزيد من الإعترافات والدعم الدولي. والمهم هنا أيضاً أن هذه الحكومة ستعزز ثقة المجتمع الدولي بقدرتنا على إدارة حياتنا وكياننا ودولتنا، وكلما زادت ثقة المجتمع الدولي بنا كلما أصبح حلم الدولة أقرب إلى التحقيق وكلما أصبحت الإدعاءات الإسرائيلية بشأن مستقبل السلام والمنطقة والخوف من سيطرة «حماس» وداعش على الضفة فيما لو انسحبت إسرائيل منها، فمع حكومة موحدة وموقف فلسطيني موحد وإدارة موحدة لملفات الصراع والمفاوضات وكل ما هو متعلق بحاضر ومستقبل شعبنا يزداد مأزق إسرائيل وتزداد عزلتها ويصبح موقفها محاصراً ليس فقط بالحق الفلسطيني الظاهر والساطع وإنما كذلك بحسن الأداء ووحدة الأدوات.
الشيء الآخر المهم في هذا السياق هو الحاجة إلى تجديد المؤسسات الفلسطينية وهي حاجة ملحة كحاجة الناس للطعام والماء والهواء، وهذه تتحقق بانتخابات جديدة عامة وشاملة لكل المؤسسات التشريعية والرئاسية والنقابية وللمجلس الوطني ومؤسسات منظمة التحرير. فبعد هذا الجمود والترهل هناك ضرورة للتغيير وضخ دماء جديدة في كل هيئات العمل الوطني وقبل كل شيء منح الشعب حقه في تقرير من يحكم ويتولى المسؤولية عنه.وهذه إحدى مهمات حكومة الوحدة المركزية والعاجلة بعد أن تهيئ المناخ لها.فهل تقوم الحكومة المنشودة؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية