ينتظر شعبنا الفلسطيني بفارغ الصبر أن يقدم الحوار الوطني الذي ترعاه دولة الجزائر الشقيقة، مخرجات عملية لإنهاء الانقسام الأسود واستعادة الوحدة الداخلية، والذي يأتي استكمالًا للجهود المصرية التي أكدت على مدار سنوات طويلة أنه بالإمكان تحقيق هذا المطلب الشعبي من أجل توحيد الصف الفلسطيني في مواجهة التحديات الكبرى التي تعصف بالمشروع الوطني ولجم العدوان الإسرائيلي المستمر.
تكمن أهمية هذا الحوار في إعادة الاعتبار للمشروع الوطني التحرري الذي هو بالأساس مشروع كفاحي يهدف إلى تحقيق حُلم شعبنا في تقرير المصير، والذي يعزز من الاتفاق على برنامج نضالي مشترك يقود إلى إنجاز الحقوق الوطنية لشعبنا، خاصة أن التأييد الدولي أقر تلك الحقوق وفي مقدمتها حق العودة 194.
إن العدوان المتواصل على شعبنا في مختلف الساحات والحاجة الوطنية المُلحة، تُحتم على كافة الفصائل الفلسطينية الضغط نحو الاستجابة الفورية لحوار الجزائر واعتباره فرصة وطنية يجب استثمارها، في ظل أن هناك برنامجًا وطنيًا مرحليًا يحمل عناوين واضحة في الدفاع عن حقوقنا الوطنية وتتمثل في: إقامة دولة على حدود 67، وحق عودة اللاجئين، والمساواة القومية للشعب الفلسطيني داخل حدود 48.
عُقب التحضير لحوار الجزائر، أصدر مركز (ملف) كراس بعنوان «المشروع الوطني الفلسطيني وراهنية البرنامج المرحلي»، ليعيد الأذهان مجددًا إلى ضرورة الالتفاف حول هذا البرنامج الذي يقوم على مواصلة الاشتباك بشكل مرحلي، ويؤكد أن جوهر الصراع مع الاحتلال على الأرض أي «الوجود الفلسطيني» في ظل عمليات التمييز العنصري والإجرام الذي يمارس بحق الفلسطينيين من قتل وحصار واستيطان متفشي وتهويد للمقدسات.
إن البرنامج المرحلي الذي طرحته الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين عام 1974م، وأصبح محط إجماع وطني يستند إلى قرارات الشرعية الدولية التي أقرت حق شعبنا في النضال حتى تقرير المصير، على خلاف البدائل السياسية الأخرى التي يُروج لها مثل: (حل الدولتين) الذي يرتكز بشكل أساسي على المفاوضات الغير مجدية، ويفتقر لأي خطوات وقرارات فاعلة خلال رعايتها الصورية، إضافة لاتفاق أوسلو الهابط الذي أوقف العمل بالبرنامج المرحلي وشكل انقلابًا عليه، كما لم ينجز أي حق لشعبنا على مدار أكثر من 20 عامًا.
المميز هنا، أن الجبهة الديمقراطية لم تكتفِ بإطلاق أفكارها البرامجية، بل تعبر دائما عن ما يميزها وهو حملها لشعار (الوحدة الوطنية) والذي تمارسه قولًا وفعلًا عبر إطلاق مبادراتها السياسية الوحدوية، والتي ترمي إلى العودة لمربع الشعب وأن يكون هناك استجابة عاجلة إليها بعد أن رحب بها الكل الفلسطيني.
كما أن الافتقاد إلى الوحدة الداخلية الفلسطينية يجعلنا غير قادرين على تنفيذ قرارات الاجماع الوطني التي أقرت في المجالس الوطنية لـ (م.ت.ف) الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا المتمثلة بسحب الاعتراف بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني والتحرر من قيود أوسلو، وتفعيل خيار المقاومة الشاملة. كما لم تؤهلنا لتبني هذا البرنامج المرحلي الذي يُعد برنامج تعبئة وتنظيم القوى الذاتية والاعتماد على الذات من موقع الثقة بطاقات الشعب وقدرات الحركة الجماهيرية في الدفاع عن حقوقها المشروعة.
والجدير ذكره، أن التسلح بالبرنامج المرحلي واستعادة زخامته يجعل له دور مهم في توحيد الساحات الفلسطينية وتكاملها دورها النضالي بما يعزز من الانتصار لحقوق الانسان الفلسطيني، ويقدم دور مشابه، بل ومفاجئ مثلما رأينا خلال معركة «سيف القدس » للعام 2021م، حين انتفضت الجماهير في غزة والضفة والقدس والـ 48 بوجه الاحتلال بشتى الأشكال لإفشال مخططاته، وإيصال رسالة أن الرهان على الموقف الأجنبي المنحاز للاحتلال بات فاشلًا ولم يقدم سوى المزيد من الخيبة والضياع للحقوق، في إشارة للإسراع بإنجاز الوحدة الوطنية.
لا شك أن الإرهاب الإسرائيلي، وحالة التطبيع العربي، والمُتغيرات الدولية، وتغلغل الانقسام الذي يمهد لكيان سياسي مقطع الأوصال أصبحت صعوبات تواجه مشروعنا الوطني، لكننا لم نؤمن بعد أيضًا، بأننا مقصرون عبر اللهث خلف حالة الالهاء التي أصبح يعيشها الشعب، بفعل تفضيل أطراف الانقسام للتسهيلات والحلول الاقتصادية، وتعزيز إجراءات بناء الثقة، حفاظًا على مصالحهم، والتي تجعل من الحل السياسي أمرًا غير مشروعًا أو ممكنًا في نظر الاحتلال والمجتمع الدولي لطالما استمروا بذلك، وجعلوا من البرنامج المرحلي شعارًا فقط يرفع عند الحاجة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية