كلما مررت بجوار المكتبات العامة راودتني نفسي بولوج المكان. تفقده كأنه بيتي الذي أتوق لو قضيت عمري فيه. وحين أصل بوابته الكبيرة تتلقفني وجوه قلة ممن واظبوا على ارتياد المكان. يسلمون عليّ، يسألونني عن جديدي. ثم نصعد معاً لتفقد الكتب والرفوف المتناثرة في المكتبة وقد علاها الغبار بسبب قلة المستعيرين والمهتمين بالمكتبة اليوم.

الغبار تزايد بشكل كبير وكثيف حتى منع الهواء من الوصول إلى مسام العقل، وصار الفكر الناصع رهين اعتقال الغبار الذي سيطر عليه.

هكذا هو حال المكتبة والمؤسسة العلمية في ظل تطور وسائل التكنولوجيا التي قتلت روح الإبداع في شبابنا بدلاً من صقلها ولا ألوم التكنولوجيا أو التطور. في حين أنها جاءت إلى الغرب كشمس في دياجير الظلام، لأن المواطن الغربي اعتبر تلك النافذة منحة للوصول إلى كل ما هو بعيد من كتب ومعارف وفنون. في حين أنها جاءت للمواطن العربي فقط كمنحة للتفريغ النفسي والجنسي. حيث أنه يعاني ويلات الكبت والقمع الداخلي التي وضعها لنفسه. فما تكاد تذهب إلى أي مكان حتى تكتشف بأن كل الرؤوس مطأطئة لمتابعة بعض البوستات الفيس بوكية أو تويتر أو غيرها مما قد لا يكون له قيمة كبيرة. والأصعب أن معظم الشباب يقضون وقتهم في الدردشة التي تسرق الوقت كالسيف يقطعهم ثم يذهب بهم نحو خيالات مشوهة.

إن الغبار علا المدينة فطمس الرؤية عن أبنائها، فصار الحق عند كثيرين باطلاً والباطل حقاً لأن الإعلام المزيف مسح الصورة الحقيقية للأشياء. وما سينما هوليود عنا ببعيد، حيث غررت بنا قديماً وما زالت عندما أوهمتنا بانتصارات جوفاء أمام الفيتنام وغيرها. والتي تظهر المواطن العربي أو الشرقي أو المسلم على أنه شخص أرعن وساذج إرهابي يحب الموت ويكره الحياة، يتعامل بوحشية مع الأشياء في حين أن هذا الغربي هو الذي يمتلك القيمة الإنسانية لكل شيء.

إننا بحاجة لمسح الغبار عن العقول من خلال مسح الغبار والأتربة عن الرفوف وبث الروح للكتب من خلال حملات ترويج للقراءة والتحفيز على ممارستها، وكم راقني كثيراً مشروع كتاب في الشارع، حيث توجد رفوف في الشوارع تمتلئ بالكتب وكذلك على شاطئ البحر وفي الأماكن العامة والحدائق.

إننا قادرون أن نعمل معاً لدعم المواطن بإنعاش العقل وإذكاء الروح بالفكر والثقافة من خلال توزيع كتب على المطاعم وصالونات الحلاقة والسيارات والشوارع والأماكن العامة الأخرى. وسنحصل على نتائج إيجابية من الممكن أن تعيد البوصلة وتنظم الواقع بشكل أفضل.

كم نتوق لنرى الأمة العربية خير أمة تصحح مسار العالم نحو الحرية والحرية الممنوحة للجميع وليست لأحد على حساب آخر.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد