يعتبر المجتمع الفلسطيني مجتمعًا شابًا وفتيًا حيث تبلغ نسبة الشباب من 18-29 حوالي 22% من عدد السكان حسب جهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني، واذا أضفنا السن ما دون ال 18 عام فتصبح نسبة الجيل الصاعد بما في ذلك الفتيان والشباب تتجاوز ال 60%.
يعاني الشباب من العديد من التحديات التي تعيق تمكينهم اقتصاديًا واجتماعيًا، أبرز تلك التحديات تكمن في الاحتلال والحصار الذي يشكل عقابًا جماعيًا والمرفق بالعمليات العدوانية العسكرية الواسعة من قبل الاحتلال على قطاع غزة (2008-2012-2014-2021-2022) وكذلك تداعيات الانقسام الذي ساهم في تهميش الحالة التنموية في القطاع واثر سلبًا على قطاعات اجتماعية متعددة وأبرزهم الشباب والنساء.
لقد أدى الحصار والعدوان والانقسام إضافة الى جائحة كورونا ونقص التمويل الدولي الى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في قطاع غزة، حيث وصلت الى 65% و 47% على التوالي إضافة الى ظاهرة انعدام الأمن الغذائي التي وصلت الى نسبة تتجاوز ال 50%.
رغم ارتفاع نسبة التعليم العالي بين أوساط الشباب في قطاع غزة والتي وصلت الى 23% الا أن حجم البطالة مازال مرتفعًا بنسبة تصل الى 63% وهي الأعلى بالعالم.
أدت ظاهرتي البطالة والفقر الى انخفاض مستوى المعيشة خاصةً في ظل نسبة الأجور المتدنية والتي تصل الى 30شيكل باليوم للعامل بالمعدل العام بالقطاع.
تتعمق ازمة البطالة بين أوساط الشباب بسبب تضخم القطاع العام حيث يتجاوز ال 100 الف بين حكومتي رام االله وغزة يعملون في قطاع غزة وتعثر عمل القطاع الخاص نتيجة الحصار والعدوان وآلية الرقابة المعيقة لعملية إعادة الاعمار وعدم توفر البيئة التنموية المناسبة الداعمة لمبادرات الشباب ويشار هنا الى ان نصف العاملين من الشباب يعملون بالأعمال غير الرسمية الأمر الذي يعني غياب شبكة الحماية (من تقاعد وتأمين صحي وادخار والبطالة وتجاوز لقانون العمل بما يتعلق بالتعويض عن الاصابة وغيرها من الأمور) وتزداد المعاناة اكثر بالنسبة للنساء التي لوحظ ارتفاع نسبة التعليم لديهن دون أن ينعكس ذلك على نسبة مشاركتهن في سوق العمل والتي لم تتجاوز ال 20% على أحسن التقديرات.
ان القيود على منظمات العمل الأهلي المحلية وشروط التمويل السياسية المفروضة من بعض المانحين إضافة لعدم توفر الشراكة الحقيقة من المنظمات الدولية الغير حكومية من جهة والمنظمات الأهلية المحلية من جهة أخرى ساهم ايضًا في تقليص الفرص لدى الشباب للانخراط في سوق العمل.
ان نظرة على طبيعة التعليم بالجامعات تحتاج الى التفكير الجاد بإعادة النظر لمنهجية التعليم وطبيعة التخصصات فنحن بحاجة الى التعليم النقدي العلمي غير النمطي وغير التلقيني، كما بحاجة الى التنسيق بين الجامعات لتحقيق التكامل بالتخصصات الى جانب تعزيز المشاركة من قبل الطلبة في اعمال الفكر عبر النقاشات والعروض وكتابة المقالات والأبحاث بهدف تعزيز المعرفة وأدوات التحليل النقدي والعلمي والقدرة على الابداع، بالإضافة الى خلق اطر من التعاون ما بين الجامعات ومنظمات المجتمع المدني.
يتطلب التعليم الجامعي التركيز على سوق العمل المحلي وعليه فقد بات مطلوبًا تصميم تخصصات ومساقات تخلق المواءمة ما بين مدخلات التعليم ومتطلبات سوق العمل لصياغة علاقة محكمة ما بين التعليم من جهة والتنمية من جهة أخرى.
لقد بات مطلوبًا التركيز على المهارات التي تساهم في عمليات التشغيل الذاتي والانخراط في سوق العمل وفي البنية الاقتصادية الى جانب الاهتمام بالتعليم التقني سواء كان ذو طبيعة تقليدية او حديثة الأمر الذي سيساهم في تقليص نسب الفقر والبطالة بين أوساط الشباب ويهيئهم بالاندماج بالعملية الاقتصادية.
من الهام أن تصاغ الخطط التنموية بصورة شمولية بحيث تدمج المكونات المؤثرة بالعملية التنموية مثل الوزارات الرسمية(المهنية)، القطاع الخاص، والمنظمات الأهلية بحيث تضع في أولويات برامجها قضية بطالة الشباب وكيفية تمكينهم اقتصاديًا سواءً عبر التأثير بالجامعات أو عبر تنفيذ برامج تدريبية تساهم في تطوير قدرات ومهارات الشباب المعرفية والفنية لتسهيل اندماجهم في سوق العمل عبر المشاريع الريادية والتي تعتمد على الافكار الإبداعية وعلى أدوات التشغيل الذاتي.
ان ظواهر مثل الانكفاء على الذات والهجرة والإحباط وتأخر سن الزواج يعود لسبب رئيسي يكمن بغياب عملية التمكين الاقتصادي مما يساهم في خلق العديد من الازمات الاجتماعية لدى الشباب.
في يوم الشباب العالمي الذي يصادف 12/أغسطس من كل عام يجب حث الفعاليات المؤسسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية على إيلاء دور بارز للشباب في بنيتهم المؤسسية وفي برامجهم العملية الأمر الذي يتطلب المساهمة في تشكيل بعض الأطر والمنتديات التي تعمل على التمكين الاجتماعي للشباب مثل منتديات ثقافية تتناول موضوعات تهم اولوياتهم واحتياجاتهم وتحتضن مبادراتهم بما يشمل المساهمة في إعادة الاعتبار لقيم العمل التطوعي والعمل الخيري والاجتماعي والإنساني للفئات الاجتماعية المهمشة والفقيرة الى جانب تشكيل لجان ظل من الشباب سواءً للبلديات أو النقابات أو للهيئات التمثيلية الفلسطينية المختلفة.
ان التمكين الاقتصادي للشباب يساهم برفع مكانتهم التمثيلية في المؤسسات الوطنية الفلسطينية سواء في المجلس الوطني أو المركزي أو اللجنة التنفيذية وفي المؤسسات المجتمعية مثل النقابات والبلديات والجامعات والمنظمات الأهلية وغيرها من المؤسسات المجتمعية الأمر الذي يعطي حيوية لبنية المجتمع ويجدد من دماءه ويعزز من فرصه للتطور والبناء.
لعب الشباب تاريخياً دورًا باستنهاض الحالة الوطنية الفلسطينية عبر مراحل النضال المختلفة وقد بات مطلوبًا من الجميع العمل على تمكينهم وتقويتهم كرأس مال اجتماعي بهدف المساهمة في توسيع فرصهم وخياراتهم وفي تقدمهم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
المصدر : وكالة سوا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية