بعد رد إيران على المقترح الأوروبي بشكل مقبول، كما كان قد قال جوزيب بوريل، قبل أيام، باتت الكرة كما يقولون في الملعب الأميركي، وقد رافق الرد الإيراني تقدير عالمي بأن التوصل لاتفاق يعيد العمل باتفاق العام 2015، بات قاب قوسين أو أدنى، فيما طبيعة الرد الأميركي تحدد عملياً مستوى قدرة البيت الأبيض على اتخاذ قرارها بمعزل عن التأثير الإسرائيلي، الذي سارع الى رفض التوقيع على الاتفاق، تماماً كما فعلت إسرائيل طوال العام والنصف الذي مضى، أي منذ أن بدأ الحوار الدولي مع إيران، بعد دخول جو بايدن البيت الأبيض مطلع العام الماضي، وحتى اللحظة.
وإذا كانت أميركا تبدو منقسمة على الموقف من الاتفاق، حيث من المعروف بأن الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما، اعتبر التوصل لاتفاق العام 2015، حين كان بايدن نائبا له، حول البرنامج النووي الإيراني واحدا من أهم إنجازاته، فيما تنصل منه الرئيس الجمهوري الذي خلفه دونالد ترامب، بتحريض من بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، وذلك عام 2018، فيما عاد بايدن ليؤكد أنه سيسعى للعودة الى الاتفاق مجدداً، وفعلاً ما أن دخل البيت الأبيض حتى بدأ حوار العودة للعمل بالاتفاق، الذي عقدته مع إيران زعامة العالم ممثلة بالدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي إضافة إلى الولايات المتحدة، بريطانيا وفرنسا، روسيا والصين، مع ألمانيا، لذا يطلق عليها مجموعة (الخمس+واحد).
أما إسرائيل فهي مجمعة على رفض الاتفاق، وإذا كان نتنياهو نجح بتحريض ترامب على التنصل منه، فإن من خلف نتنياهو في رئاسة الحكومة، اي كل من نفتالي بينيت، ويائير لابيد، إضافة بالطبع ل بيني غانتس ، واصلوا وضع العراقيل لمنع واشنطن من العودة للاتفاق، وبعد أن حاولوا فعل ذلك من خلال المطالبة بإضافة بنود أخرى ضد إيران، من مثل فرض الرقابة على برنامج صواريخها الباليستي، ثم ما يقولون عنه من نفوذ لها في أكثر من مكان في الشرق الأوسط، مع التطاول أكثر من مرة على الداخل الإيراني نفسه، بارتكاب العديد من عمليات الاغتيال بحق قادة عسكريين أو مهندسين يعلمون في البرنامج النووي الإيراني، لجر إيران الى مربع الحرب المباشرة مع إسرائيل، لدفع الولايات المتحدة للدخول في حرب عسكرية مباشرة لا تريدها مع إيران، نقول بعد كل هذا، وكلما اقترب الطرفان من منصة التوقيع، يسارع الإسرائيليون الى واشنطن، مع الإعلان عن أن إسرائيل ليست طرفا في الاتفاق، لكنها طرف يحرض على الحرب.
باختصار يمكن القول بأنه خلال عام ونصف من التفاوض الدولي مع إيران، كانت إسرائيل تجري قناة حوار موازية مع واشنطن، مهمتها إجهاض كل اقتراب من التوصل للاتفاق، وهذا يعني بأن إسرائيل فعلاً وليس قولاً، وعلناً وليس من تحت الطاولة، تحاول فرض إرادتها على زعامة العالم، هذا على اعتبار أولاً ان (الخمس+واحد) هم رأس النظام العالمي، وثانياً على اعتبار أن الأوروبيين، اي بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وطبعا بدرجة اكبر روسيا والصين، ترغب فعلاً في عودة الولايات المتحدة لاتفاق 2015. الذي عقدته الدول (الخمس+واحد) مجتمعة مع إيران، اي ان الدول الأوروبية الثلاث مع روسيا والصين، وليس فقط الولايات المتحدة كلها ترغب في العودة للاتفاق.
وحقيقة الأمر أن الاتفاق مع إيران يجنب المنطقة والعالم حالة من التوتر قائمة، ومن شأنه ان يبرد النار المشتعلة في اكثر من مكان، خاصة في اليمن، ولبنان، والخليج بالطبع، وها هي دول الخليج نفسها، التي مع جر إسرائيل لأميركا والمنطقة لحالة التوتر خلال السنوات الماضية مع إيران وحلفائها الإقليميين، اندفعت بدافع الخوف من قوة إيران العسكرية المجاورة، لعقد اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، ها هي تقرأ المشهد السياسي في فصله التالي، وتسارع الى تطبيع علاقاتها مع إيران، بعودة السفراء، ومحاولة «ترطيب» العلاقة مع الجارة المسلمة.
الجديد في الأمر، مع إعلان الرد الإيراني على المقترح الأوروبي، كان إفصاح الإسرائيليين عن زيف ادعائهم لسبب رفضهم العودة للاتفاق الدولي مع إيران، وهو ليس بالطبع خوفهم من احتمال امتلاك إيران القنبلة النووية، وهم لم يكتفوا بالمناسبة عبر تلك السياسة باقتناص اتفاق التطبيع مع اربع دول عربية، بل انهم ابتزوا أميركا نفسها، حيث فعل بايدن وما زال يحاول أن يجلب لإسرائيل «لبن العصفور»، فقط مقابل أن ينجح في العودة للاتفاق مع إيران، ومازالت إسرائيل تعارض، وكأن ذلك من حقها، ان تكون دولة فوق العالم بأسره، والمهم ان الإسرائيليين هذه المرة قالوا بأن إيران ستحصل على ما يقارب من 250 مليار دولار، من عائدات النفط، وقد يكون هذا صحيحاً، اي ان كل ما تحاول إسرائيل منعه على إيران هو تقدمها الاقتصادي، الذي سيشهد نقلة نوعية بامتلاك الطاقة النووية.
أما إسرائيل فهي تريد ان تبقى إيران في ظل تعطيل العمل باتفاق 2015، تحت طائلة العقوبات الاقتصادية، مع أن ذلك الطريق او الخيار يسهل عليها إنتاج القنبلة النووية، فإسرائيل بذلك تفضل إيران فقيرة مع قنبلة نووية على إيران غنية وقوية اقتصادياً دون القنبلة النووية !
هذا هو حقيقة الموقف الإسرائيلي، وربما تريد إسرائيل أن يشجع امتلاك إيران للقنبلة النووية على تشجيعها للدخول في سلسلة حروب إقليمية، لا تفرض الفقر على إيران فقط، بل وعلى كل الشرق الأوسط، بما في ذلك الدول التي نجحت إسرائيل في لفها بعباءتها التطبيعية، ذلك ان قوة الدول تقاس حالياً بقوة اقتصادها، وليس بقوتها العسكرية بالدرجة الأولى، ولعل درس الاتحاد السوفياتي وحتى كوريا الشمالية ما زال ماثلاً، حيث انهار الاتحاد السوفياتي رغم امتلاكه للترسانة النووية الأكبر في العالم، بسبب تخلفه الاقتصادي، فيما تقف كوريا الجنوبية في وجه كوريا الشمالية بقوة اقتصادها مقابل قوة جارتها الشمالية العسكرية.
والثروة يمكنها أن تشتري السلاح، اما الفقر مع السلاح فيمكن أن يجعل من صاحبه قاطع طريق، لا مكان له في عالم اليوم، فيما إسرائيل التي نشأت كربيبة للاستعمار، ووفق معادلة الحرب الباردة، ما زالت تظن بأنه لا يمكنها ان تعيش بشكل طبيعي، وأنها تعيش افضل في ظل الحروب، خاصة في الشرق الأوسط، وما دامت هي بهذه السطوة، او بهذا التأثير على الولايات المتحدة، فإنها قد تجر العالم او النظام العالمي ليس لحرب إقليمية تقتصر على الشرق الأوسط، بل ربما الى حرب عالمية، في ظل وجود العديد من الدول التي تمتلك السلاح النووي، فإنه يمكن توقع فناء البشرية في ظل اندلاع حرب عالمية مع وجود هذا السلاح، حينها يمكن لإسرائيل ان تعيد تشكيل عالمها على جثة البشرية، وفق الوعد الإلهي، الذي يبدو أن معظم الإسرائيليين باتوا يؤمنون به، ويمدهم بالزهو العنصري، والشعور بالتفوق على كل البشر، وليس على الفلسطينيين وحسب.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية