تواجه لعبة عض الأصابع بين إسرائيل وبين إيران وحزب الله، منحنى حاداً، وحيث إن إسرائيل كانت تفضل أن تشن أميركا عنها الحرب ضد إيران، فإن إيران تفضل في حال وقوع الحرب، أن تقع بينها وبين إسرائيل، أو بين إسرائيل وحليفها الأهم في المنطقة، أي حزب الله، ولأن أميركا قالت بوضوح لإسرائيل إنها لن تشن الحرب ضد إيران، على طريقة ما سبق لها وفعلت ضد العراق أو حتى ضد أفغانستان، فإن جو بايدن قد عوض إسرائيل خلال زيارته قبل أسبوعين عن ذلك الموقف، بأن وقع لها التزاماً أميركياً بمنع إيران من الحصول على السلاح النووي، ولمزيد من طمأنة إسرائيل ذهب إلى جدة لإقناع العرب بإنشاء حلف أمني مع الدولة العبرية، ضد إيران، لكنه فشل، ومع انشغال بايدن بشكل شبه كلي بالحرب مع روسيا على الحدود الأوكرانية، فإن المفاوضات مع إيران ليست متوقفة وحسب منذ بضعة شهور، ولكن لم يعد أحد يظهر الاهتمام الكافي لمتابعتها، فضلاً عن تحقيقها مهمة التوصل لاتفاق يسمح للأطراف بالعودة لاتفاق 2015.
أما إسرائيل التي وجدت فرصتها في الدخول لأوروبا من الباب الاقتصادي الواسع، من خلال توريد الغاز، فقد وجدت نفسها في الوقت نفسه تسابق الزمن من أجل البدء باستخراج كميات الغاز الكافية لتحقيق ذلك الهدف، وهكذا صارت إسرائيل بحاجة للتوصل إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، حتى يتيح لها ذلك التعجيل باستخراج الغاز من تلك الحقول البحرية، لكن ولأن إسرائيل التي سبق لها أن واجهت مشاكل مع تركيا وسورية بسبب من محاولتها وضع اليد على حقول الآخرين، ومنهم فلسطين، حيث ما زالت تمنع ومنذ نحو عقدين استخراج الغاز من حقلي غزة ، فإنها - أي إسرائيل - تواجه مشكلة مع لبنان، الذي حاولت أن تستغل وضعه الاقتصادي الصعب، وخاصة حاجته للنفط والطاقة، لدفعه للقبول باتفاق يهضم حقه في اتفاق منصف، لكن تصدى للمحاولة الإسرائيلية حزب الله، وحين لجأت إسرائيل للضغط على لبنان، بتوجيه معدات التنقيب إلى حقل «كاريش»، هددها الحزب بمسيّراته وبمنظومة صواريخه، أي بشن حرب ضدها.
إسرائيل تأخذ تهديدات الحزب في ظل تفضيل إيران أن تقاتل إسرائيل بغيرها، لتشغلها عنها، على الأقل، محمل الجد، لدرجة أن الكابينت عقد اجتماعاً خاصاً أول من أمس، لمناقشة تلك التهديدات، في الوقت الذي تقدمت فيه إسرائيل لإغراء لبنان بالتوصل لاتفاق ترسيم الحدود البحرية خلال شهرين، وهناك معلومات تشير إلى أن إسرائيل قدمت تنازلات للوسيط الأميركي، تؤكد حاجتها لذلك الاتفاق لتبدأ فوراً باستخراج الغاز من البحر، بهدف توريده لأوروبا.
أما أوروبا نفسها، وبعد أن دقت هنغاريا جرس التمرد على قرارات الاتحاد بقطع استيراد الغاز الروسي، فإن المؤشرات ترجح أن يتابع عدد من الدول الأوروبية السير على طريق بودابست، ما يعني أن حرب أميركا ضد روسيا التي ترتكز على قطع العلاقات الاقتصادية بين روسيا وأوروبا، ومحورها توريد الطاقة الروسية من النفط والغاز لأوروبا مقابل البضائع الأوروبية لروسيا، تبوء بالفشل، وأن بايدن في طريقه لتحقيق أسوأ أداء لرئيس ديمقراطي منذ عقود، بما ينعكس فعلاً على آراء الناخبين، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن ثلاثة أرباع الناخبين الديمقراطيين يرغبون في مرشح آخر لحزبهم في انتخابات الرئاسة العام 2024، حيث يمكن هنا أن تظهر رئيسة البرلمان «الكونغرس» نانسي بيلوسي، المرأة القوية التي سبق لها أن تصدت بقوة وحزم للرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، وجعلت من وجوده في البيت الأبيض، كما لو كان في الجحيم، كمرشح قوي للحزب في مواجهة المرشح الجمهوري، الذي قد يكون هو دونالد ترامب، ما لم تتم إدانته في قضية اقتحام الكابيتول لمنع انتقال السلطة في تشرين الثاني من العام 2020.
لكن بيلوسي تواجه موقفاً حاداً هذه الأيام، وذلك بالنظر إلى ردود فعل الصين تجاه زيارتها المرتقبة لتايوان خلال الشهر الحالي آب، حيث بلغ التوتر بين كل من أميركا والصين حداً غير مسبوق، لدرجة أن الصين وعبر خارجيتها هددت بالتصدي لزيارة ثالث أهم شخصية في الولايات المتحدة لتايوان، وهي الزيارة الأهم منذ ربع قرن، وبالتحديد منذ العام 1997، أي منذ أن زارها رئيس البرلمان الأميركي في ذلك الوقت، وتايوان هي جزيرة صينية تتمتع بالحكم الذاتي، وسبق لأميركا والصين أن وقعتا ثلاث بيانات تؤكد أن «الصين واحدة»، وحيث إن الصين ترى في زيارة بيلوسي لتايوان شكلاً من أشكال دعم استقلالها، لذا هددت بشد حبل التوتر لآخره، وما زالت تحاول منع تلك الزيارة، ولم ينتظر الرئيس الصيني كثيراً، فسارع للاتصال بالرئيس الإيراني لتعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، فيما رد الرئيس إبراهيم رئيسي معلناً الوقوف لجانب الصين الواحدة.
ويبدو أن المكالمة الهاتفية بين رئيسَي الولايات المتحدة والصين قبل أيام، التي أكدت على مبدأ الصين الواحدة، لم تكفِ الصين لتهدئة مخاوفها، لدرجة أن المراقبين انشغلوا بتحديد كنه أو ماهية التهديد باستخدام القوة العسكرية لمنع زيارة بيلوسي، وقد رجح البعض أن ترافق الطائرات الصينية طائرة بيلوسي في الأجواء الإقليمية الصينية، فيما توقع البعض أن تفرض الصين منطقة حظر للطيران حول تايوان، في حين اعتبر رئيس هيئة الأركان الأميركية أن الجيش الصيني أصبح أكثر عدائية بتحركاته في المحيط.
كل ذلك يحدث والعالم يراقب الحرب بين أميركا وروسيا على حدود أوكرانيا، ويخمن بأن عين أميركا الحمراء هي على الصين منافسها الاقتصادي الأهم على الصعيد الكوني، خاصة أن فتح أميركا للحرب الاقتصادية مع روسيا قد كلف الاقتصاد الأميركي الكثير حتى الآن، فيما يهدد اقتصاد أوروبا بالشلل، وكل هذا يحدث في محاولة أميركية لمنع انهيار النظام العالمي الذي نجم عن انتهاء الحرب الباردة وتوّجها كزعيم وحيد للعالم.
فهل تبدأ نانسي بيلوسي ترشحها المحتمل للرئاسة، بتوتير العلاقة مع الصين لدرجة الوصول بها إلى حافة الحرب، تماما كما كان الحال أيام خروشوف وأيزنهاور، حين بلغ التهديد حد تحريك الرؤوس النووية فيما عرف بأزمة خليج الخنازير حول كوبا، أم أن أميركا تضغط على الصين، لإجبارها على تحديد موقف صريح مما يحدث بين روسيا وأوكرانيا، حيث طالبت واشنطن بكين بهذا الأمر دون جدوى على مدار الأشهر الماضية، أي منذ شباط الماضي؟ لا أحد يعلم ما ستصل إليه الأمور، بعد اتباع بايدن لسياسة خارجية مقامرة، تدفع خصوم بلاده على الصعيد الكوني للتحالف، وكل المراقبين يترقبون ما سيحدث بين الصين وروسيا، وبعد أن سارعت موسكو للتحالف مع إيران، في القمة الثلاثية بطهران قبل أيام، فإن الجميع يجمع على أن تحالف الصين وإيران وروسيا بشكل صريح وواضح ضد أميركا، سيعني أن العالم إن لم يكن قد عاد فعلاً لأجواء الحرب الباردة، بشكل الحرب الكونية الاقتصادية، فإنه قد شرع فعلاً في إرساء دعائم نظام عالمي جديد، متعدد الأقطاب، وهذا قد يكون هو موضوع أو شعار الانتخابات الأميركية القادمة، سواء الخاصة بالكونغرس أو الرئاسية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية