خاص: امتحانات الثانوية العامة 2022 في السجون .. ظروف استثنائية وفرحة غائبة
بصبرهم وعزيمتهم، وفي ساحات وغرف صغيرة ومغلقة لا تصلها أشعة الشمس، وبين بنادق جنود الاحتلال الإسرائيلي، يواصل الأسرى الفلسطينيين الليل بالنهار، من أجل ابتكار طرق جديدة لانتزاع حقوقهم التي سلبتها منهم إدارة مصلحة السجون، كحقهم في التعليم، حيث يستعد الأسرى الفلسطينيين في هذه الأيام لتقديم امتحانات الثانوية العامة توجيهي 2022 داخل السجون.
ففي الوقت الذي ينتظر فيه طلاب الثانوية العامة توجيهي 2022 في فلسطين، صدور نتائج الامتحانات التي تقدموا لها خلال شهر يونيو الماضي، يستعد 350 أسيرًا بينهم سبعة من قطاع غزة ، موزعين على 10معتقلات وسجون إسرائيلية، لتقديم الامتحانات بشكل سري، وسط ظروف وإمكانات معقدة؛ نظرًا للإجراءات التعسفية التي تتخذها إدارة مصلحة السجون بحق جميع الأسرى الفلسطينيين.
لجانُ امتحانات معتقلة
فحول إجراءات وظروف تقديم امتحانات الثانوية العامة توجيهي 2022 داخل المعتقلات، يقول الأسير المحرر إياد أبو ناصر، إن "أسئلة امتحانات الثانوية تأتي من خارج السجون، ويتم توزيعها على الأسرى، حيث تقوم لجان المراقبة بجمع الطلاب في ساحة السجن وتوزيع أوراق الأسئلة عليهم، في توقيت ومعايير معينة ومشددة، وبعد هروب الأسرى الستة من سجن جلبوع، اتخذ الأسرى إجراءات جديدة بما يخص تقديم الامتحانات حيث تكون بسرية أكبر من سابقتها."
ويكمل: " فيما يخص جمع أوراق الامتحانات وإرسالها لوزارة التربية والتعليم، تقوم لجان المراقبة بتصوير أوراق الامتحانات بواسطة "الهواتف المهربة" وإرسال الصور كما هي للوزارة لكي يتم تصحيحها، وفي حالة السجون التي لا يتوفر فيها هواتف محمولة تقوم اللجان بالتنسيق مع الوزارة بتصحيح الإجابات وإرسال النتائج إلى الوزارة عن طريق هيئة شؤون الأسرى والمحررين أو من خلال اللجنة الدولية للصليب الأحمر."
موقع نتائج الثانوية العامة توجيهي 2022 في غـزة والضفة
ويبين أبو ناصر في تصريح لوكالة سوا، أن "اللجان التعليمية المُشَكَّلَةِ من الأسرى داخل سجون ومعتقلات الاحتلال تتعامل بشكل حازم ومشدد في العملية التعليمية مع الأسرى، حيث أنها تشدد بشكل كبير في عملية التدريس، والمراقبة على الامتحانات، فطريقة الدكتور مروان البرغوثي المعتقل في سجن هداريم الإسرائيلي ليس فيها أي تهاون أو تراخي، حيث كان يفرض علينا الدراسة لمدة تزيد عن 10 ساعات تعليمية خلال اليوم، لهذا يحاول الأسرى أن يكونوا في محل مسؤولية في الجانب التعليمي، خاصة في مرحلة الثانوية العامة، وفي حالة تم نقل الأسير من سجن لآخر، أو للعزل الانفرادي يحرم الأسير من تقديم الامتحانات وبالتالي يرحل إلى السنة التي تليها."
إجراءات حازمة
هيئة شؤون الأسرى والمحررين ومؤسسات حقوقية، أكدوا أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تمارس كافة أشكال وأساليب التضييق على الأسرى الفلسطينيين، وحرمانهم من حقوقهم الأساسية كحق التعليم الذي كفلته لهم جميع المواثيق والقوانين الدولية.
وتتعمد إدارة مصلحة سجون الاحتلال إلى مصادرة جميع الكتب والوسائل التعليمية من كافة السجون، كما يحصل مع الأسيرات في سجن الدامون، بالإضافة إلى اتخاذها إجراءات عقابية ضد الأسرى الفلسطينيين، الذين يمارسون العملية التعليمية داخل أقسام السجون والمعتقلات، والتي قد تصل إلى العزل الانفرادي والحرمان من حقوق كثيرة، كالخروج للفورة "النزهة اليومية التي يقضيها الأسير في ساحة السجن المخصصة لذلك."
رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين "عبد الناصر فروانة" يقول، إن "هناك منع إسرائيلي منذ سنوات للأسرى الفلسطينيين من إكمال سير العملية التعليمية داخل السجون، لكن الأسرى لديهم إصرار وعزيمة على تجاوز هذه القرارات للحفاظ على حقهم في التعليم وزيادة المعارف والثقافة، وفي كل عام يتقدم مئات الأسرى لامتحانات الثانوية العامة في عدة سجون."
ويشير فروانة إلى أن "الإجراءات المتبعة في سير العملية التعليمية وتقديم الامتحانات داخل سجون الاحتلال، تكون بعيدة عن إدارة السجون، وتطبق وفق شروطٍ خاصة، وذلك بالتوافق مع وزارة التربية والتعليم وهيئة شؤون الأسرى والمحررين، وممثلي الأسرى داخل السجون، بما لا يتعارض مع نظام التعليم العام في فلسطين."
ويبين أن "تقديم اختبارات الثانوية العامة وأسئلتها في سجون الاحتلال، يكون بخلاف المنهج العلمي والأسئلة المعتمدة لدى وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، كما تكون بعيدًا عن موافقة مصلحة السجون الإسرائيلية؛ من أجل المحافظة على سير العملية العلمية والثقافية."
شروط وتحديات
رئيس وحدة الدراسات في الهيئة يؤكد أن، "وزارة التربية والتعليم وضعت شروطًا لإجراء امتحانات الثانوية العامة داخل السجون، منها وجود لجان مراقبة وتصحيح من حملة الشهادات العليا يكون أقلها البكالوريوس، وفي حالة عدم توفر هذه الشروط تلغى عملية تقديم الامتحانات، وبالتالي يحرم الأسرى من اجتياز العام الدراسي."
ويتابع فروانة "هناك أيضًا شروطًا تسري على الطلبة أنفسهم من أجل تقديم امتحانات الثانوية العامة، منها أن الطلبة الذين لا يحملون شهادة الصف العاشر الثانوي، لا يمكنهم الالتحاق في العملية التعليمية داخل السجون، وتقديم الاختبارات في نهاية العام الدراسي، كما أن الطلاب الذي اعتقلوا في فترة قريبة من تقديم الامتحانات لن يتمكنوا من تقديمها مع زملائهم في نفس العام."
ولا تتم عملية تقديم الاختبارات النهائية داخل السجون بالتزامن مع تقديمها في الخارج، بالإضافة إلى تأخر صدور النتائج؛ نظرًا للظروف الأمنية المشددة، وصعوبة جمع الأوراق وتصحيحها وإخراجها من أقسام السجون، بالإضافة إلى آلية التواصل المعقدة بين أعضاء اللجان.
مخالفة القوانين الدولية
تقول منسقة وحدة التوثيق والدراسات في مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان "احترام غزاونة"، " منذ اعتقال الفصائل الفلسطينية للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في عام 2006، أقرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إجراءات عقابية بدأتها بشكل فعلي في عام 2007بحق جميع الأسرى الفلسطينيين، كان منها حرمانهم من حقهم في التعليم."
وتبين "غزاونة"، أن " إجراءات الاحتلال المتعلقة بحرمان الأسرى الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية والتي تشمل الحق في التعليم، هي إجراءاتٌ مخالفةٌ لجميع القوانين والاتفاقيات الدولية؛ لأن من حق الأسرى أن يتوفر لهم نظام تعليمي، وأن يتاح إدخال المواد التعليمية لهم، بالإضافة إلى تلقي حصص تعليمية، لكن الاحتلال يتنصل من هذه الاتفاقيات."
وتشير إلى، أن " سلطات الاحتلال تسمح للأسرى الجنائيين الإسرائيليين بتلقي تعليمهم في صفوف دراسية داخل السجون، كتلك الصفوف الموجودة في المدارس، كما يمكنهم دراسة مرحلة الثانوية العامة ويحصلوا على شهادات تكون معادلة تمامًا، مثل الشهادات التي تكون خارج السجن، ولكن الأسرى الفلسطينيين المعتقلين على خلفيات أمنية يحرمون من هذا الحق."
وتؤكد منسقة وحدة التوثيق والدراسات في مؤسسة الضمير إلى ، أن " الاحتلال يتعامل دائمًا مع موضوع التعليم على أنه امتياز للأسرى الفلسطينيين وليس حقًا لهم، وعند معاقبة أحدهم كان يعاقبه بحرمانه من تقديم اختبارات الثانوية العامة، أو الالتحاق بالجامعة العبرية عندما كان الأمر متاحًا للدراسة فيها قبل العام 2006."
وتضيف" غزاونة"، أن "هناك مؤسسات حقوقية قدمت التماسًا للمحكمة الإسرائيلية العليا في العام 2006، حول موضوع منع التعليم للأسرى الفلسطينيين، لكن المحكمة العليا رفضت هذا الالتماس؛ بحجة أن هذا شأنًا خاصًا بمصلحة السجون، ولم تصدر قرارًا يلزم مصلحة السجون بإعطاء الحق للأسرى الفلسطينيين في تقديم امتحانات الثانوية العامة، أو التعليم الجامعي."
ويوافق الأسير المحرر إياد أبو ناصر "غزاونة" بقوله :" قبل العام 2006 كانت سلطات الاحتلال تسمح للأسرى بمواصلة العملية التعليمية عن طريق اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والسلطة الفلسطينية، ولكن خلال العقد الماضي فرضت إدارة مصلحة السجون مجموعة عقوبات على الأسرى داخل السجون، كان لها أثرًا سلبيا على التعليمية، وهذا من شأنه التأثير على انجازات الأسرى والذي تجلى بشكل واضح في ملف الثانوية العامة.
صناعة الفرحة
كما يترقب الطلبة وأهاليهم نتائج الثانوية العامة، هكذا يبدو المشهد للأسرى الطلبة وذويهم كما يصفه المحرر أبو ناصر قائلاً :"يتم إبلاغ طلاب الثانوية العامة بنتائج الامتحانات من خلال اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أو من خلال اتصال أهالي الأسرى بالإذاعات، أو القنوات التلفزيونية المحلية.
وعند صدور نتائج امتحانات الثانوية العامة، تنطلق الاحتفالات ويسيطر جو عام من الفرح، حيث يقوم الأسرى المتفوقون بإعداد الحلويات بمساعدة بقية الأسرى داخل الأقسام، وشراء بعض الحاجيات من كانتينا السجن، ويقوموا بدعوة زملائهم في ساعات الليل للاحتفال والمزاح لكي تعم أجواء الفرحة."
ويضيف، "كما يقوم الأسرى بصناعة أثواب تخرج بشكل يدوي ويلبسونها لزملائهم المتفوقين كنوع من الاحتفال والفرح، ويقوموا بتصويرهم بواسطة الهواتف المهربة ويرسلوا الصور إلى عائلاتهم لمشاركتهم أجواء الفرحة."
هي محاولات بسيطة يصنعون الأسرى من خلالها الفرح لهم ولأهاليهم، في صورة تمثل تحدي أمام السجان وتدلل على قوة الإرادة التي يتحلى بها الأسرى إلى أن يحصلوا على حريتهم من داخل معتقلات الاحتلال.