أياً كان الخيار الذي سيضطر رجب طيب أردوغان، الرئيس التركي، الى اتخاذه اثر نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فإن تركيا، في كل الأحوال، ذاهبة الى مرحلة من الغموض، تخلف مرحلة الاستقرار خلال ١٣ عاما ماضية، ومع بدء محاولة أردوغان، وحزب العدالة والتنمية، احتواء نتائج هذه الانتخابات، لا يبدو ان اياً من هذه الخيارات، ستساعد الحزب على تجرع هذه الهزيمة التي لم يكن يتوقعها، فالخيارات تظل ثلاثة، حكومة أقلية، من المستبعد ان تمر عن حجب الثقة عنها في البرلمان الجديد، وحكومة ائتلافية، لا يبدو ان هناك أي حزب من الأحزاب الثلاثة الأُخرى، يستحسن إنقاذ أردوغان والموافقة على المشاركة في حكومة ائتلافية، وفي حال فشل تشكيل حكومة أقلية، او حكومة ائتلافية، لا يظل هناك سوى خيار واحد وفقاً للدستور التركي، اذ بعد ٤٥ يوما من تكليف الرئيس لرئيس حكومته بتشكيلها، دون نجاحه في هذا التكليف، وهو الأمر الأكثر احتمالا، فلا بد من الدعوة الى انتخابات برلمانية جديدة، لا يضمن أردوغان ان تأتي لصالحه، بل ربما تبدد ما نجح الحزب، حزب التنمية والعدالة، في اقتناصه خلال الانتخابات البرلمانية الاخيرة، اي قرابة ٤١ بالمئة من مقاعد البرلمان.
معظم وسائل الإعلام التركية، بما فيها بعض المقربة من أردوغان، اعتبرت هذه النتائج بمثابة عقاب للرئيس التركي، الذي نسي أثناء الحملة الانتخابية، انه وفقاً للدستور الحالي، رئيس لكل الأتراك، وليس رئيساً او قائداً او مسؤولاً في حزب من الأحزاب، لكن اردوغان وأثناء الحملة الانتخابية، تجاهل هذا الأمر تماما وهاجم كافة الأحزاب باستثناء «حزبه» حزب التنمية والعدالة، وتبين ان الرئيس التركي متعصب يزدري الآخرين، حالم بالسلطة، واثق ثقة المتغطرس بانه بات سلطانا «للباب العالي»، والقصر الذي شيده لهذه الغاية، يعكس في تصميمه وحجمه وتكاليفه، هذه التطلعات النرجسية، التي تعكس الشخصية الحقيقية لأردوغان.
وفقاً لهذه الوسائل الإعلامية، فإن أردوغان دفع ثمن لا مبالاته بذكاء الأتراك، نظراً لرغبته في الاستحواذ والغطرسة، يقال ان الناخب التركي ذهب الى صندوق الاقتراع، في ظل عملية احتشاد لم يسبق لها نظير في مثل هذه الحالات، فقط للانتقام من أردوغان، الأمر الذي ادى الى فقدان حزب العدالة والتنمية، رغم فوزه بـ ٤١ بالمائة من مقاعد البرلمان، من تحقيق أغلبية برلمانية، ما قطع الطريق، أمام أردوغان، لتعديل الدستور، لكي يمنحه المزيد من الصلاحيات تؤهله لكي يتحول من رئيس الى سلطان، يمسك بالتشريع والسلطة التنفيذية، باسم الاغلبية المتسلطة على الأقلية.
والغريب، ان اردوغان، الذي نسي او تناسى انه وفقاً للدستور، رئيس لكل الاتراك، وقام بدور تحريضي ضد القوى والأحزاب المتنافسة مع حزبه أثناء الحملة الانتخابية، فإن خطابه الأول بعد هزيمة حزبه - بالمعنى النسبي طبعاً - يطالب بتحلي الأحزاب الأُخرى، بالمسؤولية والحفاظ على استقرار تركيا، بينما أردوغان، بسلوكه الأرعن، لم يتحل بمثل هذه المسؤولية، الامر الذي نقل تركيا من الاستقرار الى الغموض، بسبب سلوكه السلطاني المتغطرس.
تطلعات أردوغان، وفقا لآراء بعض المحللين الأتراك، لا تبتعد كثيرا عن التجربة الإيرانية في الحكم: تشديد الرقابة على وسائل الإعلام، قمع المعارضين والنشطاء، والاهم من ذلك، التمتع بصلاحيات واسعة كتلك التي يتمتع بها المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، اي ان اردوغان، كان يحلم بان يصبح مرشدا للثورة العثمانية، ويحوز على كل السلطات، من خلال دستور، يساعد على إضفاء صفة ديمقراطية على هذا التحول.
لكن الأمر أسوأ من ذلك بكثير، فحتى لو نجح حزب العدالة والتنمية في تشكيل حكومة، سواء حكومة أقلية او حكومة ائتلافية، فإن هذا الحزب لم يعد قادراً وحده على اختيار رئيس البرلمان، كذلك لن يترأس كافة اللجان البرلمانية، ولن يكون باستطاعته تمرير مشاريع القوانين وفقاً لأجندته الخاصة، ذلك كله بات من الماضي، عندما كان الحزب مسيطراً ومهيمناً على مقاليد الحكم بكل تصنيفاته ومؤسساته، ولم يتعود على مفهوم الشراكة التي بات يطالب الأحزاب الأخرى بها حالياً، وجاء دور هذه الأحزاب، لكي تقرر مصير السلطان، خاصة لجهة العمل على تبديد أحلامه وتطلعاته.
على صعيد السياسة الخارجية، فإن أحلام أردوغان بلعب دور اقليمي - دولي مركزي، ستتراجع، ليس فقط لانشغاله بحالة الغموض الداخلي، ولكن بسبب عدم الرهان على تأثير هذا الدور - كما كان الأمر عليه سابقاً - على خريطة المنطقة، ومن المرجح ان يتراجع دور تركيا في المواجهة مع النظام السوري، وبدعم تركيا لداعش والمنظمات الإسلامية الأُخرى بالتعاون مع السعودية وقطر، وقد يكون اكثر ميلاً للتعاون مع اسرائيل، لإنقاذه من حالة التراجع على المستوى الإقليمي، ولن يغامر أردوغان بان يظل داعما للإخوان المسلمين وتشجيعهم على اتخاذ الإرهاب الدموي وسيلة لإسقاط الرئيس السيسي.
الاختلال في الخريطة السياسية في المنطقة العربية وسائر الإقليم، بوفاة الملك عبد الله وتسلم الملك سليمان الحكم في الرياض، ربما يبدو ان هذا الاختلال، قد تم تعديله بصورة او بأُخرى، بتراجع دور اردوغان، وفي كل الأحوال، فإن هذه المعادلة، السعودية - التركية، وما تضمنته من اختلال وتراجع، باتت هي عنوان التطورات المحتملة على الصعيد العربي - الإقليمي، تلك التطورات التي من شأنها ان ترسم الخارطة السياسية للمنطقة برمتها!!
hanihabib272@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية