لم تشهد إسرائيل في تاريخها القصير خوفاً حقيقياً من التعرض لمقاطعة دولية قد تتطور في وقت لاحق إلى عقوبات حقيقية كما تشهده هذه الأيام، لدرجة أن الحكومة وبعض الجهات المعارضة تحاول العمل لوقف الموجة التي يشبهها البعض بكرة الثلج المتدحرجة، ولإنقاذ إسرائيل من مصير سيئ يشبه مصير نظام «الأبرتهايد» العنصري في جنوب افريقيا، أو صربيا كنموذجين للمقاطعة الدولية، وما حصل مع اتحاد الطلاب في بريطانيا الذي اتخذ قراراً بمقاطعة إسرائيل أكاديمياً ينذر بالكثير على مختلف الجبهات. كما أن الاتحاد الأوروبي بصدد اتخاذ خطوات عملية بشأن وضع ملصقات خاصة على بضائع المستوطنات لتمييزها عن غيرها، ما يعرضها لمقاطعة أوروبية جارفة، ويعرض إسرائيل ككل لنفس المصير.
القلق الإسرائيلي تبدى في الكثير من البحث والتعليقات التي وردت في وسائل الإعلام والتي تبرز مدى جدية الموضوع وخطورته لدرجة أن ثلاث كتل برلمانية دعت لنقاش معمق ب الكنيست لبحث هذا الموضوع، وفي إطاره طلبت الحكومة من المعارضة التعاون في صد هذه الحملة الدولية التي يقودها الفلسطينيون وأصدقاؤهم في العالم بمن فيهم بعض اليهود. ويعتبر الإسرائيليون الموقف الأميركي الجديد الذي عبر عنه الرئيس باراك أوباما بمثابة ضربة سياسية كبيرة، حيث قال إن الولايات المتحدة ستجد صعوبة في الدفاع عن إسرائيل في المحافل الدولية بسبب موقف الحكومة الإسرائيلية وموقف بنيامين نتنياهو من مسألة الدولة الفلسطينية. وتتلاحق الضربات مع تصريح وزير الخارجية التشيكي لوبومير زاوراليك الذي تعتبر بلاده احدى الدول القليلة في القارة الأوروبية المؤيدة لإسرائيل ب حماس ة والذي قال فيه إنه إذا لم يتم التوصل إلى «حل الدولتين» فإن إسرائيل ستعاني من العزلة الدولية وستتهم بالعنصرية، وأن بلاده لن تستطيع الدفاع عنها. فإذا كان هذا موقف الحلفاء والأصدقاء فكيف يكون مواقف الدول الأخرى التي تؤيد بصورة شبه تلقائية الموقف الفلسطيني؟!
خوف إسرائيل ورعبها من القادم لم يدفعها إلى تغيير مواقفها بشأن الاستيطان الذي يعتبر أهم ركائز الحكومة والنقطة الأبرز على أجندتها، ولا بشأن العملية السياسية على الرغم من تصريحات نتنياهو أنه يريد حل دولتين، ورسائله التي يريد من خلالها لقاء الرئيس أبو مازن والعودة مجدداً إلى طاولة المفاوضات، فهذه لا تتعدى المناورات السياسية التي تهدف لتشويش الموقف الدولي، ففي حال قبل الفلسطينيون الجلوس مع الإسرائيليين في اجتماع قمة أو جلسات مفاوضات تحت أي عنوان ستستخدمها الحكومة الإسرائيلية لوقف الحملة الدولية المناهضة للسياسة الإسرائيلية، باعتبار أن الملفات المختلف عليها تخضع للتفاوض ولا داعي لاتخاذ مواقف دولية متسرعة ضد إسرائيل، تماماً كفكرة نتنياهو التفاوض حول الكتل الاستيطانية، لإخراج موضوع الاستيطان من التركيز الدولي كونه يمثل مخالفة إسرائيلية واضحة للقانون والقرارات الدولية. ولو وافق الفلسطينيون على هذا المقترح لما اتخذت المحكمة العليا الأميركية قراراً يلغي قانوناً أعده الكونغرس يسجل الإسرائيليين مواليد القدس كمواليد إسرائيل، وهذه ضربة إضافية لإسرائيل من شأنها أن تثبت الخط الأخضر كحدود لدولة فلسطين وكل ما يتجاوزها من الناحية الإسرائيلية غير شرعي.
والمشكلة الأكبر التي تواجهها الحكومة الإسرائيلية في هذا السياق هي أن العالم لم يعد يريد السماع لمبررات وذرائع إسرائيل التي ربما اعتقدت أن الفوضى التي تعاني منها المنطقة قد تكون غطاءً على استمرار سياستها بحجة أن الوضع الأمني لا يسمح بتسوية للصراع، وأن إسرائيل ليس بمقدورها أن تقدم أراضي للفلسطينيين، وهي لا تضمن مصير هذه الأراضي ولا تعلم ان كانت ستبقى تحت سيطرة السلطة ومنظمة التحرير أم ستؤول إلى حكم «حماس» أو ربما «القاعدة»، وغيرها من الادعاءات. واتضح لإسرائيل أن التأييد الدولي للقضية الفلسطينية وللموقف الفلسطيني عموماً يزداد باطراد، بل ان مشكلات المنطقة تحتم التوصل إلى تسوية للصراع مع الفلسطينيين لتخفيف من غلواء التطرف والعنف في المنطقة.
ولا شك أن الاعترافات الدولية المتلاحقة بدولة فلسطين وخاصة من برلمانات الدول الأوروبية وأخيراً من حكومة السويد ومن دولة الفاتيكان تفاقم من المأزق الإسرائيلي لأنها عاجلاً أم آجلاً ستصل إلى موقف رسمي جماعي مؤثر وضاغط. والقيادة الفلسطينية على الرغم من ضعف الأداء الفلسطيني ماضية في سياستها القاضية بالتوجه للمؤسسات الدولية كبديل واقعي ومقبول للمفاوضات الثنائية التي لم تفضِ إلى أي نتيجة جدية تقرب الحل المنشود، بل استخدمت لتحسين صورة إسرائيل دولياً ومنحها المزيد من الوقت كي تواصل فرض وقائع على الأرض تعيق أو تمنع حل الدولتين.
وإسرائيل الآن تواجه معضلة حقيقية بدأت تبرز في أوساط نخب إسرائيلية وازنة وهي إمكانية التحول نحو حل الدولة الواحدة الذي لا يلقى شعبية في إسرائيل على اعتبار أن مواصلة الاستيطان لن يجعل إمكانية قيام دولة فلسطينية أمراً قابلاً للتطبيق بعد فترة ليست طويلة من الزمن. وهذا ربما استدعى تدخلاً إسرائيلياً من مجموعة لا بأس بها من الشخصيات الإسرائيلية تستدعي ضغطاً دولياً على إسرائيل للمرة الأولى، من قبيل الألف شخصية الذين وقعوا على رسالة موجهة للبرلمانات الأوروبية تطالبها بالاعتراف بدولة فلسطين في حدود عام 1967 بدون قيد أو شرط ، العريضة التي يجري إعدادها لتوجيهها إلى مجلس الأمن لاتخاذ قرار بالاعتراف بدولة فلسطين بنفس الصياغة، لأنها تدرك أن سياسة الحكومة التي يقودها نتنياهو ستأخذ إسرائيل إلى الدمار وستقضي على فرص التسوية وتديم الصراع وهو خطر حقيقي على مستقبل الدولة وعلى الأجيال القادمة.
وعلينا أن نقرأ ما يجري هناك ليس فقط لعدم الوقوع في فخ الدعوات الإسرائيلية للمفاوضات ولقاءات القمة وإنما كذلك لنعزز الاتجاهات الإسرائيلية التي تعارض الحكومة وتعمل ضد سياستها دولياً وهذا يتطلب جهداً مكثفاً على الساحة الإسرائيلية لتوسيع نطاق الضغط داخلياً وخارجياً، وهذا ليس تطبيعاً كما يحلو للبعض أن يطلق عليه، كما أنه لا يتعارض مع حملات مقاطعة إسرائيل وفرض العزلة والضغط الدوليين عليها، بل بالعكس كلما كانت هناك أصوات إسرائيلية تطالب بفرض الحل كانت العزلة والمقاطعة على إسرائيل أقوى وأوسع.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية