لعبة الحكم والمعارضة، أي لعبة النظام الديمقراطي في العالم العربي، مختلفة تماما وبشكل نوعي عن مثيلتها في العالم الديمقراطي، خاصة في الغرب ذي التقاليد الديمقراطية، فمثلا عجز الخصم السياسي التقليدي عن إسقاط الحزب أو الفرد الحاكم، لا يعني بأن أبواب التغيير قد أغلقت للأبد، ورغم أن إسقاط حاكم في دول النظام الاستبدادي بوجود خصم عاجز، يتأخر كثيرا، إلا انه ممكن في آخر الأمر، بل وهو أمر يتحقق في نهاية المطاف.
بعد ما قام بإسقاط خصومه ومنافسيه، أول عهده بالحكم، سارع الرئيس المصري الأسبق أنور السادات إلى تبديل الاتحاد الاشتراكي بالمنابر السياسية في البرلمان والتي تحولت لاحقا إلى مراكز لثلاثة أحزاب رئيسية في البلاد: الوسط ويمثله ما اصبح في النهاية الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، أي حزب السلطة، واليسار ويقوده حزب التجمع، وكان حزب اليسار السياسي الذي يضم الشيوعيين والناصريين، ثم اليمين ويضم مجموعات هامشية وما إلى ذلك.
طوال سنوات لاحقة ظل الحزب الوطني هو حزب السلطة، والتجمع هو حزب المعارضة العاجزة عن إسقاط الحكم، وفي الحالة الفلسطينية، وحيث إن سيطرة حركة فتح منذ العام 1969 على «م.ت.ف»، قد ترافق مع تعدد سياسي/ فصائلي، بحيث مثلت «فتح» حزب السلطة، فيما مثلت الشعبية بدرجة أولى حزب المعارضة العاجزة عن إسقاط «فتح» عن عرشها، طوال عقود، إلى أن نجحت « حماس » في ذلك وهي حديثة العهد بالسياسة، بل وبالحضور السياسي في الساحة الفلسطينية.
منذ العام 2006، أي منذ أن فازت «حماس» على «فتح» بأغلبية المجلس التشريعي، ورغم أن وصول «حماس» للسلطة كان جزئيا، فهي سيطرت على البرلمان، ولم تسيطر على الرئاسة، ومعروف أن أنظمة الحكم العربية، إنما هي أنظمة رئاسية بالدرجة الأولى، إلا أن ما أحدثته «حماس» من انقسام، بالقوة العسكرية منذ حزيران 2007 وعجز «فتح» عن احتواء أو إنهاء الانقسام حتى الآن، كذلك عجز حركة فتح عن إسقاط حكم «حماس» في غزة بالذات، لا يعني ان حكم «حماس» في غزة، لا يمكن إسقاطه، حيث انه ليس أمرا إجباريا أو وحيدا أن يتم إسقاط حكم «حماس» في غزة على يد «فتح» أو حتى لصالحها!
نذكر انه بعد سيطرة «حماس» على غزة، اعتقدت قوى تظن أنها أكثر جذرية أو أبعد وعيا ورؤية من «حماس» في مشروع الإسلام السياسي (الجهاد كمثال)، أن التغيير القادم سيكون لصالحها، أي أن تجاوز حكم «حماس» سيعني تنصيبها هي على رأس السلطة بغزة، أو على مقعد الحكم فيها، كما اعتقدت قوى أخرى، ربما كانت هامشية بأن «حماس» ستفعل مثل «فتح»، أي ستحيط نفسها بالحلفاء، فحضّروا أنفسهم لهذه المكانة أو لهذه الصفة، أمثال خالد أبو هلال زعيم ما سمي بفتح الياسر، تساوقاً مع جماعة أبو موسى في سورية، أو معتز دغمش، زعيم جيش الإسلام القاعدي بغزة، بل إن «حماس» وحين كانت تفاوض «فتح» على المصالحة كانت تضع على الطاولة حلفاءها من «الجهاد» للقيادة العامة الى جماعة أبو موسى، وكل المنشقين عن الفصائل من المقيمين في سورية، مقابل حلفاء «فتح» من «فدا» للنضال الشعبي مرورا بالفلسطينية وغير ذلك من فصائل وقوى.
وحيث إن «حماس» بدأت معركتها على السلطة بمناكفة «فتح» سياسيا، من خلال خرق اتفاقيات أوسلو خاصة في الجانب الأمني، وفي الوقت الذي كانت تتوافق فيه مصالحها أو تطلعاتها للسيطرة على السلطة مع مصالح وتطلعات «الليكود» للعودة للحكم الذي كان قد فقده لصالح اليسار العام 1992 بفارق عضو كنيست واحد مع شبكة الأمان العربية في ذلك الوقت، فإن تحريض اليمين أدى لاغتيال اسحق رابين، وأدت عمليات «حماس» الانتحارية في تل أبيب لعودة «الليكود».
ثم كان انسداد أفق الحل التفاوضي العام 2000 سببا في وصول شارون للحكم في إسرائيل ولوصول «حماس» للحكم في غزة!
منذ السنوات الأولى لحكم «حماس» لغزة واجهت تحديا على الجانب اليميني، في الوقت الذي كانت تحكم فيه إغلاق المنافذ على جهة اليسار، حيث «فتح» والفصائل التقليدية، وفعلا حدث أكثر من مرة، احتكاك عسكري بين «حماس» و»الجهاد» خاصة فيما يخص السيطرة على المساجد، لكن كانت قيادة الطرفين المتحالفين مع محور الممانعة في إيران وسورية تسارعان لتطويق ذلك.
ثم حدث احتكاك بين «حماس» وجماعات السلفيين، حين قامت «حماس» بقتل المقدسي وأنصاره القاعديين في مسجد برفح، وكان طوال الوقت يظهر التباين بين الجماعات السلفية المؤيدة للقاعدة أولا ومن ثم لـ»داعش» ثانيا، وبين «حماس»، رغم وجود أحزاب وقوى إسلام سياسي يمكن أن تكون بديلا لـ»حماس» في يوم ما، مثل «الجهاد» وحزب التحرير، إلا أن حزب التحرير و»الجهاد» ما زالا يتجنبان حدوث المواجهة مع «حماس».
على خلفية إقدام «حماس» على تقديم مظاهر سلطة الحكم المسؤولة دوليا وإقليميا والمعتدلة، وقد حاول إسماعيل هنية بالمناسبة أكثر من مرة أن يظهر للعالم ـ الغرب على نحو خاص ـ أن وجود المتطرفين على يمينه يبرر حكمه كنظام معتدل يمكنه أن يقدم خدمة احتواء هؤلاء امنيا لإسرائيل وسياسيا لأكثر من طرف، من الولايات المتحدة، لإيران وحتى للسعودية!
هذه المظاهر التي وصلت إلى حدود الإقدام على قتل احد عناصر السلفية الجهادية ـ القاعدية أو حتى الداعشية في غزة ـ قبل أيام، يبدو أنها قد فتحت أبواب معركة «حماس» مع هذه الجماعة، وحيث انه يقال ـ مثل ما تدين تدان ـ بدأت هذه الجماعات بالتخريب على «حماس» بإطلاق الصواريخ على إسرائيل نكاية بـ»حماس»، وكأن عجلة الزمان تدور بعد نحو عشرين سنة، وربما يحدث أن تواجه «حماس» قوة رفض وإسقاط من قبل جماعات متشددة كما يحدث في سورية وليبيا، وحتى كما حدث وان فعلت هي مع سلطة «فتح» قبل عشرين سنة، وإذا كانت هي قد وجدت في «الليكود» حليفا وسندا ساعدها على إسقاط «فتح» خصمها الداخلي وإسقاط العمل خصمه هو، فربما تجد الجماعات المتشددة المناهضة لـ»حماس» في ليبرمان أو حتى في بينيت حليفها!
Rajab22@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد