زرعنا في وطننا شجرة، "نبته شيطانية" ضننا أنها ستكون مُثمرة، ونستفيد من ظلالها في الصيف، ونوقد من حطبها في فصل الشتاء، ونتنسم عطرها في الربيع، قد أفنى الآباء أعمارهم، في سقايتها وتقليمها، وعندما اشتد عودها، أزهرت شوكاً وخيمت بظلالها السوداء، ورائحتها النتنة، لقد غرست أشواكها في يد المارة، ولم يَعد أحد قادراً على الاقتراب منها، لقد طغت جذوعها على الأشجار المجاورة، وقتلت كل من يحاول أن يتسلقها، فأصابنا العجز، لا نحن قادرين على اقتلاعها، ولا نحن قادرين على العيش في ظلالها.

إنه الانقسام الأسود، الذي فرق بين شطري الوطن، وأصبح غولاً كبيراً ضخماً يلتهم أبناء الوطن، ويُلقي بهم بين أمواج البحر، بحثاً عن فرصة للعيش خارج أسوار البطالة والفقر والحرمان والحصار.

كُلنا مذنبون بحق الوطن، عذراً أيها الوطن، نعترف بعجزنا وفشلنا في عدم قدرتنا على تجاوز محنة الانقسام، نُقدر حجم الدماء التي روت الأرض لتحياً كريماً عزيزاً طاهراً مشرفاً، نعتز ونفتخر بتضحيات الأسرى والجرحى، ننحني أمام دمعات الأمهات اللواتي سقط أبنائهن شهداء في معركة الدفاع عن شرف الوطن المُنقسم، ينتابنا الشعور بالغثيان، أمام صرخات المرابطين في حرم المسجد الأقصى المبارك، أمام دمعة طفلة فقدت أمها وأبيها وأخواتها في قصف اسرائيلي على بيت أمن في قطاع غزة ، أمام حسرة زوجة شهيد دمر الاحتلال الاسرائيلي منزلها ومأوها الأخير في الضفة الغربية.

أمام هذا الانقسام تتبخر كلمات ووعود ولقاءات وجلسات ومباحثات ومؤتمرات، فقد فشلت القيادات الحالية في تعميق فجوة الوحدة الوطنية، وشطرت الوطن بأيديها إلى أرباع وأثلاث، وبات العنوان الأبرز في ذكرى الانقسام، أنه باقٍ ويتمدد.

حقلنا السياسي الفلسطيني تمزق مرات عديدة، ونجح بعض القادة في أوقات تاريخية حاسمة على لملمة الجراح واعاده الشعب الفلسطيني موحداً، ولكن منذ 15 عشر عاماً، لا زالت القيادات الحالية تضل الطريق نحو انهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية.

لا زالت الفئوية والنزعة الفردية تعيش في قلب كل قيادي فلسطيني يرى أن الانقسام مصلحة له ولتنظيمه السياسي، فلا وقت لدينا فقد تعمق المأزق ووصل إلى النخاع، وغابت القضية الفلسطينية عن الأجندة العالمية، وأصبحت خبراً ثانوياً على صفحات الصحف وشاشات التلفزة.

لقد اُختزلت القضية الفلسطينية، وأصبحت مشروعاً اقتصادياً استثمارياً لبعض الأدوات العبثية، التي تعبث بالشعب ومقدراته ومقدساته، حقبة الفشل تستمر في الحُكم، فشلاً في الوصول إلى برنامج وطني متكامل يُلبي الحد الأدنى من متطلبات اقامة دولة فلسطينية وفق دستور سياسي، وميثاق وطني متفق علية، فشلُ مستمر في تعظيم أطر ومؤسسات وطنية قادرة على الصُراخ في وجه الحُكام لفرض قدرة الشعب الفلسطيني على تعزيز الديمقراطية والمشاركة السياسية في صناعة القرار الوطني.

ليس الفعل الاسرائيلي وحده هو من أفقد المواطن الفلسطيني الثقة بالقيادة السياسية الحالية للشعب الفلسطيني، بل استمرارهم في حوار الطرشان منذ 15 عشر عاماً، الذي أسس امبراطورية الانقسام الجغرافي والسياسي، وصنع لنا وحشاً كبيراً نخشى الاقتراب منه، عندما نذكر الوحدة الوطنية وروادها، لم نرى استنزافاً فلسطينياً ورغبة مُلحة نحو انهاء الانقسام وتحقيق الوحدة، بل ما نراه هو تجذر وتأصل فكرة الانقسام بين شطري الوطن، في وقت يتوحد فيه الأعداء لتحقيق أهدافهم، اما نحو القدس الكُبرى، أو ابتلاع ما تبقى من الضفة الغربية، أو تشديد الحصار على قطاع غزة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد