ترفض إسرائيل إجراء تحقيق سواء كان يتصل بعملية اغتيال الأيقونة الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، أو بشأن استخدام الشرطة العنف، بحق المشيّعين في حالتي تشييع جثمان شيرين وجثمان وليد الشريف.
المحكمة العليا الإسرائيلية تتوافق تماماً مع قرار الشرطة العسكرية برفض تشكيل لجنة تحقيق، ما يؤكد أن المنظومة القضائية في إسرائيل جزء من النظام الاستعماري الاحتلالي.
مبدئياً، صدرت اعترافات من قبل مسؤولين إسرائيليين تشير إلى أن الوحدة العسكرية في المكان هي التي أطلقت النار على شيرين وفريق شبكة «الجزيرة».
السبب معروف، فإسرائيل أولاً، تمارس جرائمها بحق الشعب الفلسطيني دون أن تتلقّى العقاب، بل أحياناً تحصل على مكافآت، وثانياً، تعتمد إسرائيل على الغطاء الأميركي الذي يواصل تسييس مؤسسات العدالة الدولية.
غير أن عدم إجراء تحقيق شفّاف أو غير شفّاف يعكس سياسة لدى الحكومة والجيش، ترفض محاكمة أي جندي أو شرطي، حتى لا يؤدي ذلك إلى زعزعة ثقة مؤسساتها العسكرية والأمنية بانتمائها، وحتى لا يؤدي ذلك، أيضاً، إلى التأثير سلبياً في معنويات الجنود، الذين عليهم ألا يتردّدوا في إطلاق النار ضد أي هدف فلسطيني.
وبالرغم من مرور عشرة أيام على جريمة اغتيال شيرين وإصابة زميلها، إلّا أن المطالبات بإجراء تحقيق شفّاف وجدّي وسريع، لا تزال مستمرة على الصعد الرسمية والنيابية والشعبية، على مستوى العالم.
ربما كانت الولايات المتحدة، الدولة الأكثر نشاطاً في هذا الاتجاه سواء من قبل وزارة الخارجية، أو الكونغرس أو على مستوى المؤسسات المجتمعية والنشطاء السياسيين والإعلاميين والاجتماعيين.
كنّا نتساءل لماذا تطالب الولايات المتحدة بإجراء مثل هذا التحقيق، في حين أن الضحية تحمل الجنسية الأميركية، وتكتفي بمطالبة إسرائيل بأن تقوم بذلك بينما الإدارة الأميركية تعرف أن حليفتها لن تجري مثل هذا التحقيق؟
الضغط في الولايات المتحدة، لإقناع إدارة بايدن بالتقدم نحو إجراء مثل هذا التحقيق، يتزايد ويصبح ذا وزنٍ كبير حين يوقّع ستة وخمسون عضواً في الكونغرس عريضة يطالبون فيها الـ»اف. بي. آي»، بإجراء هذا التحقيق، لكن الإدارة لا تزال تقف عند حدود مطالباتها النظرية دون التقدم بخطوة عملية.
في الواقع، من غير المرجّح أن تقدم الإدارة الأميركية على اتخاذ قرار من هذا النوع، يمكن أن يؤثر سلبياً على إسرائيل، وعلى العلاقات بين الدولتين.
أميركا أعلنت منذ البداية أن المحكمة الجنائية الدولية ليست المكان أو الوجهة المناسبة للتعامل مع هذا الملف، ما قد يفسر تجاهل المدعي العام للمحكمة.
في غياب التحرك الإسرائيلي والأميركي لمعالجة هذا الملف عبر تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة ومهنية يترتب على الجهات صاحبة الصلاحية أن تقوم بذلك ونقصد إما السلطة الوطنية، أو شقيق شيرين، أو شبكة «الجزيرة». لا شيء أبداً يدعو هذه الأطراف للتأخير في تقديم الملف للجنائية الدولية، ومجلس حقوق الإنسان وبقية مؤسسات العدالة الدولية. ذلك أن الولايات المتحدة تواصل سياساتها العدائية للشعب الفلسطيني، ودعمها الكامل لإسرائيل.
ثمة خلافات داخل البيت الأميركي الإسرائيلي المشترك، إذ تواصل الإدارة الأميركية التعبير عن عدم موافقتها وأحياناً رفضها للسياسة الإسرائيلية الخاصة ب القدس ، والاستيطان وهدم بيوت الفلسطينيين وحتى أنها لا تقبل المحاولات الإسرائيلية للتعامل مع الملف الإيراني من خلال المواجهة العسكرية.
وتلاحظ الإدارة الأميركية، أيضاً، مسؤولية إسرائيل عن تصعيد المواجهات في القدس والضفة الغربية، ما يهدد بانفجار شامل للأوضاع يشمل قطاع غزة ، لكن تلك الإدارة لا تمارس ضغطاً حقيقياً على إسرائيل لتخفيض التوتر، وتكتفي بالتصريحات فقط.
في خطوةٍ ليست غريبة عن السياسة الاستعمارية للولايات المتحدة، بصرف النظر عن الإدارة القائمة، أقدمت إدارة بايدن على رفع أسماء خمس منظمات من بينها منظمة «كاخ» الإرهابية من لائحة الإرهاب، يجري ذلك بينما تبقي إدارة بايدن منظمة التحرير الفلسطينية وعددا من الفصائل الفلسطينية على قائمة الإرهاب.
مضى على انتخاب إدارة بايدن نحو عامٍ ونصف العام، لم تتخذ خلالها أي خطوة عملية نحو تنفيذ ما تعهدت به خلال الحملة الانتخابية، نحو تحسين العلاقة مع الفلسطينيين.
وباستثناء تعديل موقف الولايات المتحدة إزاء تمويل « الأونروا »، ولأسباب تتعلق بعودة نشاطها داخل الأمم المتحدة، فإن السياسة الأميركية لا تزال تقف عند حدود السياسات التي نفذتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب المعادية لفلسطين وللفلسطينيين. أما التعويل على تحليها بقدرٍ ولو بسيطا من العدالة والنزاهة إزاء الصراع الجاري، فلا محلّ له في السياسة الواقعية، ولا يمكن انتظار وقوع أي تغيير في السياسة الرسمية الأميركية.
يعزّز مثل هذا الاستخلاص، الحرب التي تشكل الولايات المتحدة وروسيا طرفيها عَبر دولة ثالثة هي أوكرانيا حيث إن تغيير النظام الدولي، نحو نظامٍ متعدّد الأقطاب، سيعمّق ظاهرة الاستقطاب السياسي والعسكري على المستوى الدولي.
لا يمكن للولايات المتحدة أن تضحّي بعلاقاتها مع إسرائيل، التي تشكل ذراعها الاستعمارية في منطقة الشرق الأوسط، خاصة في ضوء انحسار الدور الأميركي، ولذلك فإن من المنطقي أن ننتظر سياسة داعمة بقوة لإسرائيل ودورها، وهو ما يفهمه الإسرائيليون، وينبغي على الفلسطينيين أن يفهموه.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية