أخيراً «صرحت» الإدارة الأميركية أن الحل في العراق اصبح يرتبط بالحل في سورية.
مع أن هذا الاستنتاج هو بحكم الواقع القائم مسألة أقرب الى البداهة من اي وصف آخر، لكن هذا لم يأت بالصدفة، «مناسبة» هذا التصريح تعود لاعتبارات مستجدة كبيرة، وهي تأتي في سياق مختلف بصورة كبيرة ايضاً لما كان عليه سير الأحداث والتطورات.
لكن دعونا أولاً نرى فيما اذا كانت الإدارة الاميركية معنية بحل ما في العراق وما هي طبيعة الحل الذي تريده هذه الإدارة، الحل الأميركي للعراق يتلخص - فيما يبدو - في إعادة إنشاء دولة عراقية قائمة على أسس اتحادية رخوة وعلى أسس اقليمية صلبة.
أي دولة موحدة من حيث الشكل ومقسّمة او مفتوحة على الانقسام والانفصال من حيث الجوهر.
هذا «الحل» يحافظ من حيث المظهر على وحدة التراب او الارض العراقية عِبْر مؤسسات بعينها لكنه يوطد سلطة الأقاليم، ويعطي لهذه الأقاليم «حرية» اقامة العلاقات «الخاصة» مع دول الإقليم المحيطة.
بهذا الحل لن تعتبر تركيا ان «دولة» الأكراد هي بمثابة تهديد لها، وإيران لا تعتبر دولة السنة بمثابة خطر عليها، وكذلك البلدان العربية - القريبة والبعيدة لن ترى في دولة الشيعة حلا انفصاليا عن العراق طالما ان ايران هي الحاكم الفعلي في العراق حتى اليوم، وطالما ان الدولة السنيّة ليس أمامها سوى الارتباط بالمحيط العربي.
لكن لماذا يجب انتظار الحل في سورية لكي يرى الحل في العراق «النور» المطلوب؟؟
هنا جوهر المسألة وهنا مربط الفرس.
وهنا لا بدّ من الرجوع الى التصريح الذي جاء على لسان وزير الخارجية الروسي الذي اكد من خلاله ان تقارباً ما أصبح موجوداً بين روسيا وأميركا لمستقبل الحل في سورية. هذا «التقارب» له مؤشرات أربعة على الأقل:
المؤشر الأول: أن روسيا تشجع بشدة التوصل الى توافق بين الغرب وإيران وتدعم سياسات الرئيس اوباما للتوصل الى اتفاق مُبرم ونهائي حول المسألة النووية الإيرانية، وهو الأمر الذي يعني ان تفاهمات ما سوف يتم التوافق عليها بعد الاتفاق وفي القلب من هذه المسائل المسألة السورية.
المؤشر الثاني: ان الحرب على «داعش» أصبحت هدفاً مشتركاً بين الولايات المتحدة وإيران، الأمر الذي يعني بأن النظام اصبح مجبراً على توجيه جزء كبير من نشاطه العسكري ضد «داعش» وهو الأمر الذي سيؤدي في النهاية الى البحث عن «وسيلة» للتفاهم ما بين النظام وإيران وحزب الله من جهة، وما بين القوى المسلحة للمعارضة السورية من خارج الاطار الداعشي، وهذا يعني بالضرورة ان النظام (بغض النظر عن الموقف من بشار الأسد) سيجد نفسه في مواجهة داعش «حليفاً» غير مباشر للولايات المتحدة والغرب وجزءاً من آلية التصدي لداعش.
هذا الأمر ان تحقق (وهو قابل للتحقق بقوة) بحكم الواقع وتطورات الأحداث فإن ثمة تفاهما جديدا بات مطلوبا حول الحل السياسي في سورية.
المؤشر الثالث: ان النظام في سورية قد صُعقَ في الشهور الأخيرة الى درجة أن حزب الله اعلن عن التعبئة العامة، وهذا ما تراه الولايات المتحدة ظرفاً مناسباً لإيجاد حل، حيث ان النظام فقد قدرته التعبوية في اطار الجيش وأصبحت قوته محصورة او تكاد في استخدام الطيران والبراميل المتفجرة، وقد بات يفتقد للقوات العاملة الفاعلة على الأرض.
أي بمعنى آخر ربما ان الترتيبات القادمة سيكون عنوانها المحافظة على المصالح الإيرانية في سورية دون ان يتم المحافظة على نفس النظام ودون الإبقاء على بشار الأسد بالضرورة.
ومع ان هذه المسألة بالذات هي النقطة الأصعب، لكن يبدو ان الميزان على الارض سيفرض هذا الحل على الجميع بمن فيهم الإيرانيون انفسهم وهذه المسألة اذا ما تمّ التوافق عليها فمن الواضح انها ستكون مجالاً للتوافق الأميركي الروسي والقبول العربي بها.
المؤشر الرابع والأخير: هو أن «النظام العربي» لم يعد منقسما بنفس الحدة حول الوضع السوري حتى وان كان هذا الانقسام ما زال قائماً بالفعل.
ما يوحي بأن حدة الانقسام قد تراجعت الى حدود كبيرة هو ذلك التجانس الذي فرضته الحرب ضد الحوثيين في اليمن، والتقارب الخليجي المصري في مسألة التوتر بين قطر ومصر لجهة تخفيف هذا التوتر، بل والحديث عن توافق تركي سعودي جديد بهدف منع تركيا من لعب ورقة تقسيم سورية، وهي كلها امور تصب في سياق البحث عن مساومات سياسية للوصول الى معادلات حلول وسط للازمة السورية.
فإذا كانت هذه التوافقات سائرة باتجاه حل يستبعد التقسيم فإن الحل هو نظام سياسي جديد مسيطر عليه من قبل ايران وتركيا ومتوافق عليه عربيا ومرضي عنه اميركيا بضمانات كافية إسرائيلياً.
هذا الحل هو مدخل للحل في العراق لأن كل الحلول في العراق بدون نظام من هذا القبيل في سورية هي اقرب الى الحل المستحيل.
يبدو ان ساعة التوافق على حل ما في سورية تقترب كثيرا لأن الحل في العراق بات اكثر من ضروري ولأكثر الأطراف الفاعلة فيه.
فقد بشار الأسد جزءا كبيرا من قوته العسكرية ويبدو ان الروس باتوا على قناعة بأن من الصعب للغاية إعادة ترميم وضع الجيش السوري، ويبدو ان إيران وحزب الله باتوا على قناعة بان الحل الوسط ربما يكون هو الحل الوحيد الممكن.
ولكن وبما ان الأسد فقد ورقة الجيش او يكاد فقد تكون اللحظات الأخيرة في الحرب هي اللحظات الأكثر عنفاً ودموية، وربما ستتخللها مقاطع دراماتيكية في غاية الفظاعة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية