برز نجاح واضح للانتخابات المحلية التي جرت مؤخراً في مدن وبلدات وقرى الضفة الغربية، بمرحلتيها الأولى والثانية، والتي أصرت حركة « حماس » على منع إجرائها في مدن قطاع غزة الذي تحكمه بقوة السلاح منذ عقد ونصف العقد، دون أن تسمح فيه بإجراء أي انتخابات محلية أو نقابية، خاصة النقابات المهنية والعمالية أو مجالس الطلبة، ويبدو أن «حماس» قد راجعت نفسها، أو أن حلفاءها من فصائل الاستبداد الأيديولوجي والديني، قد ضغطوا عليها بعد أن ظهرت بشكل مفضوح كحركة معادية للديمقراطية، لا تقيم وزناً ولا اهتماماً بحقوق المواطنين السياسية والمعيشية، لذا فقد أعلن مؤخراً عن اتفاق ستة فصائل على إجراء الانتخابات المحلية في قطاع غزة!  
الفصائل الستة وهي إضافة إلى «حماس» تشمل كلاً من الجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي، المبادرة الوطنية، القيادة العامة والصاعقة السورية، اتفقت على إجراء الانتخابات البلدية والنقابية والطلابية، بعد اجتماع عقدته قبل أيام، على أن تتبعه باجتماع آخر بعد عيد الفطر لبحث آليات إجراء الانتحابات على ثلاثة مستويات هي: البلديات، والاتحادات النقابية والعمالية، ومجالس الطلبة.  
وهذا يعني أن «حماس» قد وافقت نزولاً عند رغبة حلفائها، على إجراء تلك الانتخابات من حيث المبدأ، بعد أن كانت تقوم بتشكيل مجالس البلديات بشكل منفرد، وبالتعيين، وهكذا فإن إجراء الانتخابات المحلية المشار إليها، ليس بالضرورة أن يجري بشكل تلقائي أو مؤكد، لأن «حماس» تحرص على: أولاً أن تفوز القوائم التي تقودها، هذا مع احتمال يبدو مرجحاً وهو أن تتقدم للانتخابات بقوائم تضم الفصائل الستة المشار إليها، في مقابل قوائم قد تظهر مكونة من «فتح» وحلفائها من فصائل م.ت.ف، أي الفصائل التي لم تشارك في اجتماع الفصائل الستة، كذلك تحرص «حماس» ثانياً على أن تضمن الأغلبية من بين حلفائها، وهي تجربة جديدة على كل حال لحركة «حماس»، التي لم يسبق لها أن أشرفت على انتخابات ولا من أي نوع، رغم أن لها تجربة في التحالف عبر قوائم مع آخرين في الضفة الغربية، لكنها عادة ما تفضل الأفراد كحلفاء على ممثلي الفصائل.
السؤال الأهم يبقى مرتبطاً بالتوقيت، وهو: لماذا وافقت «حماس» اليوم على إجراء الانتخابات المحلية ورفضت إجراءها في قطاع غزة، بالتوازي مع إجرائها في الضفة الغربية؟ الجواب هنا يحيلنا إلى تجربة شخصية، كنت قد واجهتها عام 2009 بعد أن بادرت إلى تشكيل لجنة خاصة باحتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية في قطاع غزة، حيث تأخر الإعلان عن انطلاق الاحتفالية بسبب الحرب الإسرائيلية التي وقعت آخر العام 2008، مطلع العام 2009، وحيث أقرت اللجنة القيادية للاحتفالية الحادي والعشرين من آذار، يوم الكرامة، موعداً لانطلاق الاحتفالية. منعتنا «حماس» بقرار رسمي من المشاركة بالإعلان في ذلك اليوم بالتحديد، لما يعنيه ذلك من وحدة داخلية ضمن إطار الاحتفالية، حيث كانت خططت اللجنة القيادية لإطلاقها ضمن المربع الوطني الجغرافي (الضفة، القطاع، 48، والشتات)، وعرضت علينا «حماس» أن نعلن إطلاق فعالياتنا في أي يوم آخر، وبالطبع نحن كنا على درجة من الحيطة بحيث قمنا بتسجيل مشاركتنا من خلال تسجيل أغنية «علّي الكوفية» مع محمد عساف ، قبل أن يفوز بمسابقة محبوب العرب.
أي أن «حماس» توافق اليوم على إجراء الانتخابات المحلية، رغم كل ما قالته من قبل حول أن إجراءها دون أن تكون جزءاً من الانتخابات السياسية الشاملة تكريس للانقسام، ورفضت إجراءها في غزة بالتوازي مع إجرائها في الضفة، رغم أن كوادرها والمحسوبين عليها شاركوا فيها، وهذا لا يعني سوى أنها هي من تقوم بما تتهم به الآخرين، أي أنها تصر على الانفصال بغزة عن حدود الوطن، أو عن حدود الدولة في الضفة والقدس وغزة، ولا شيء آخر غير ذلك.
ثم هناك تفاصيل عديدة، ستؤكد ما نقوله أو تنفيه، ولها علاقة بتنفيذ ما اتفقت به «حماس» مع شركائها المحليين، من فصيل إسلامي مهم، وفصيل أدمن الرفض وثلاثة فصائل ورقية، أهمها هو أن تجري الانتخابات المحلية في غزة بإدارة اللجنة المركزية للانتخابات ووفق نظامها، فهل ستسلم «حماس» بما يقرره السيد حنا ناصر بهذا الخصوص، كذلك هل تقبل بنتائج الانتخابات أياً تكن، والأهم بالطبع، هو هل ستقوم بالاتصال بحركة «فتح» وفصائل م.ت.ف، من أجل مشاركتها في الانتخابات، أم أنها تفضل أن تقاطع تلك الفصائل انتخاباتها التي ستجريها في ظل شروطها الأمنية والإدارية؟!  
أغلب الظن، أن «فتح» وفصائل م.ت.ف، لن تقاطع تلك الانتخابات، وهي ليست لديها عقدة النقص التي لدى «حماس»، التي خشيت من المشاركة العلنية والصريحة في انتخابات الضفة حتى لا ينكشف وزنها الجماهيري الحقيقي، والذي ما زالت تظن وتدعي أنه هو كما كان قبل سبعة عشر عاماً حين جرت انتخابات المجلس التشريعي الثاني عام 2005.  
ويقيناً، إن جمهور قطاع غزة، لو سنحت له الفرصة الكافية للإدلاء بأصواته بشكل حر ونزيه، لأعلن رفضاً مدوياً لـ»حماس»، ولوجد الفرصة للتعبير عن معاناته معها طوال 15 عاماً مضت، لذا فإن «حماس» لن تذهب للانتخابات المحلية برغبة واضحة، وهي ستظل تراوغ وتتردد، وستظل تبحث عن المبررات، التي قد تصل بها إلى درجة «استجلاب» عملية عسكرية إسرائيلية يوم الاقتراع.
لكن ولأنه لا يمكن الحصول من «حماس» على حق شعبي سوى انتزاع، فلا بد من مواصلة الضغط عليها من أجل إجراء هذا الاستحقاق الديمقراطي والحق الشعبي، خاصة أن الحديث يجري عن إجرائه في غزة، حيث لا سطوة ولا نفوذ ولا تأثير مباشر للاحتلال، ولا حتى للسلطة، ولا بد من البناء على الموقف السابق، المتضمن موافقة «حماس» من حيث المبدأ على إجراء الانتخابات المحلية بمكوناتها البلدية والنقابية والطلابية، ومنعها من وضع العراقيل والتهرب من التنفيذ.
أما الانتخابات السياسية، فهي ملف كفاحي في مواجهة إسرائيل، وهنا يمكن أن يسعى التوافق الوطني إلى حل معضلة تعطيل السلطة التشريعية، من خلال اعتماد مبدأ أن يتم تمثيل البلديات ارتباطاً بعدد سكانها وأهميتها (المدن الرئيسة: القدس، نابلس ، رام الله والبيرة،غزة، الخليل) في تشكيل مجلس تشريعي مؤقت، يمارس صلاحيات محددة، كما هو حال المجلس الوطني، والبدء جدياً بالتفكير في تجاوز حالة الشلل الراهنة، الناجمة عن تعطيل إجراء الانتخابات السياسية بسبب القرار الإسرائيلي بعدم إجرائها في العاصمة، وبسبب وجود الاحتلال بشكل مباشر في الضفة الغربية، وإجراء الانتخابات التشريعية حيث يمكن إجراؤها، في غزة مثلاً، المحررة من الاحتلال الداخلي، وهكذا يمكن للشعب الفلسطيني ألا يظل مرهوناً بحياته السياسية الداخلية، لا للقرارات الإسرائيلية، ولا للخلافات الداخلية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد