على عكس كل ما يشاع في إسرائيل وخارجها، فإن رئيس الحكومة بينيت لم يكن وسيطاً بين أطراف العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، رغم حركته النشطة بين مختلف عواصم هذه الأطراف المباشرة وغير المباشرة، وزياراته المكوكية ومحادثاته الهاتفية معها، فقد اعترف بينيت بأن دوره لم يكن كوسيط بل كناقلٍ للرسائل بين هذه الأطراف، وعلينا أن نقف عند قوله، وهو يدلي بهذا الاعتراف الذي أدلى به إلى مجلس وزرائه بعد عودته من أوروبا: إنه مجرد ناقل أمين للرسائل بين الطرفين، إلى جانب جهاتٍ أخرى. ومرة ثانية يتوجّب علينا أن نفسّر ماذا يقصد بالأطراف الأخرى؟
نقدّر أن بينيت الذي حرص أكثر من مرّة على الاجتماع، ثم الاتصال أكثر من مرّة مع المستشار الألماني أولاف شولتس، كان ذلك ارتباطاً بشكلٍ مباشر بالموقف الألماني المتردّد باتجاه خطوات عقابيّة ضد روسيا، والإصرار على استمرار تدفق الغاز الروسي إلى أوروبا، خاصّةً إلى ألمانيا، في موقفٍ مناقضٍ لإدارة بايدن والكونغرس الأميركي اللذين يدرسان إمكانية حظر استيراد الغاز والنفط والفحم من روسيا، والسؤال هنا: أين موقع رسائل بينيت في هذا الأمر؟!
اجتماع بينيت مع أولاف شولتس في برلين جاء مباشرة إثر توصّل إيران والوكالة الدولية للطالقة الذرية إلى اتفاق لحل القضايا العالقة بينهما، الأمر الذي من شأنه أن يسهم وربما يزيل أحد أهم العوائق أمام التوصّل للاتفاق النووي، الذي بات على وشك التوقيع عليه كما يشير العديد من أطراف المباحثات في فيينا، الأمر الذي أقلق روسيا التي كانت أكثر الأطراف نشاطاً من أجل التوصّل إلى هذا الاتفاق، ذلك أن هناك خشية روسية من أنّ التوصّل إلى هذا الاتفاق من شأنه تشجيع الولايات المتحدة وأوروبا على الاستعاضة عن الغاز والنفط الروسي بالنفط الإيراني؛ بعد إزالة العقوبات عن طهران بموجب هذا الاتفاق. صحيح أنه لن يعوّض كل ما تحتاجه أوروبا من الطاقة، إلا أن ذلك سيخفف من النتائج الخطرة لحظر استيراد الغاز والنفط من روسيا، هذه الخشية عبّر عنها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف؛ عندما طلب ضمانات مكتوبة تحمي تعاون بلاده مع طهران من تأثير العقوبات الغربية التي فرضت على موسكو إثر العملية العسكرية في أوكرانيا، وقد تم تفسير هذه الضمانات من قبل طهران بأن موسكو تريد تقييد تدفق النفط الإيراني كبديل عن مصادر الطاقة الروسية الموجّهة إلى أوروبا، وبعد طلب طهران توضيحات حول المقصود بالضمانات، أكّدت موسكو عبر الخارجية الروسية أن إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة (وهو الاسم الرسمي للاتفاق النووي) يجب أن يضمن تمتع كل الأطراف بحقوقٍ متساوية فيما يتعلّق بتطوير التعاون في كل المجالات بلا عوائق، وبمعنى آخر، فإنّ التوصّل إلى الاتفاق النووي يجب ألا يوفر بديلاً إيرانياً عن تدفق النفط والغاز من روسيا إلى المستهلك الأوروبي، والسؤال هنا مرّة أخرى: أين الدور الإسرائيلي-الألماني في هذا السياق؟
ليس هناك من حاجة للتأكيد على أن هناك مصلحة إسرائيلية في عدم التوصّل إلى الاتفاق النووي، وأنه ليس لها مصلحة في أن يتم تعويض النفط والغاز الروسي ببدائل إيرانيّة تتدفق على أوروبا، وبالتالي ليس لها مصلحة في شمول العقوبات على روسيا بحظر النفط والغاز والفحم، وهو ذات الموقف الذي اتخذته ألمانيا أكثر من مرّة وأكَّدت عليه منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، ومعها بعض الدول الأوروبيّة التي أعربت عن تخوّفاتها وقلقها من تأثير هذا الحظر على اقتصادياتها، وهنا تلتقي المصالح الروسية والألمانية والإسرائيليّة في دعم الدعوة إلى منع مثل هذا الحظر.
المشكلة التي يواجهها بينيت، إزاء مضمون الرسائل التي ينقلها بين موسكو وبرلين، أن الرئيس بوتين هدّد من جهته بوقف ضخ الغاز إلى أوروبا كشكلٍ من أشكال "عقوبات ضد عقوبات"، وهنا يأتي الدور الألماني في الضغط على بايدن بعدم الاستجابة لمطالبة الكونغرس بفرض الحظر على الغاز والنفط الروسيَّين لضمان وحدة المعسكر الغربي، حيث إنّ أوروبا تدرك أنّ نتائج هذا الحظر الخطيرة ستنحصر عليها من دون أن تؤثّر على الولايات المتحدة التي تسعى بنشاطٍ ملحوظ للإسراع في التوصّل إلى الاتفاق النووي الإيراني!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية