تمهيداً للعملية الحربية الروسية ضد أوكرانيا، وفي خطابه للأمة لشرح أسبابها وجّه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطاباً حماس ياً مبرراً أسباب هذه العملية محدداً أهدافها المباشرة والتي تتمحور حول نزل سلاح أوكرانيا وإزالة الطابع النازي عنها، مكرراً عبارة النازية والنازيين الجدد سبع مرات، ومع استمرار هذه العملية وتدفق اللاجئين من أوكرانيا سواء من أهل البلاد أو المقيمين فيها إلى الدول المجاورة، أمكن مراقبة سلوكيات  عنصرية ربما لم يكن من الممكن التعرّف إليها إلاّ من خلال تجربة اللجوء هذه، ليس فقط من قبل بعض الأفراد والجماعات الأوكرانية أو الدول المحيطة ولكن أيضاً من قبل مستويات اجتماعية وسياسية وإعلامية عبّرت عنها أفكارها العنصرية من خلال سلوك عنصري واضح.
السلوك العنصري هذا لم يقتصر على أفراد وجماعات عادية، بل ظهر بوضوح من قبل مستويات سياسية وإعلامية وأفراد نافذين، سواءً على شاشات التلفزة أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يشير إلى أنّ العملية الحربية هذه كانت فرصة لاستظهار الميول العنصرية الأوسع نطاقاً التي تعبّر عن سلوكيات دفينة وجدت فرصتها في التعبير عن نفسها من خلال تداعيات هذه العملية.
فمع تدفّق اللاجئين أوكرانيين ومقيمين في أوكرانيا، إلى الدول المجاورة كشفت السلوكيات والتعليقات والمواقف عن أفكار عنصرية واضحة عندما فتحت الدول المجاورة حدودها أمام اللاجئين الأوكرانيين مرحبةً بهم، بينما عرقلت مرور اللاجئين الآخرين من عبور الحدود إليها. مراسل شبكة CBS الأميركية لاحظ هذا التمييز وباركه، مشيراً الى أنه لا يمكن مقارنة غزو أوكرانيا بالحرب في العراق وأفغانستان لأنّ حرب أوكرانيا حسب مراسلته لشبكته أكثر تحضراً وشعبها شعب أوروبي. وبعد الضجة التي أثارتها هذه المداخلة اعتذر المراسل ولكن بعد أن وصلت رسالته، أما نائب المدعي العام السابق لأوكرانيا فقد قال في مقطع إخباري على محطة بي بي سي أن الصراع بين روسيا وأوكرانيا عاطفي  للغاية بالنسبة له كونه يشمل قتل أوروبيين ذوي عيون زرقاء وشعر أشقر، في حين تداولت وسائل الإعلام المختلفة مقاطع مصورة عديدة من بينها مقطع للقوات الأوكرانية وهي تمنع اللاجئين الأفارقة والعرب من ركوب القطار للهرب إلى بولندا حتى يركب جميع الأوكرانيين أولاً، وفي فيديو آخر توجّه الشرطة البولندية سلاحها إلى لاجئين ملونين عند أحد المعابر الحدودية، أمّا رئيس وزراء بلغاريا كيريل بيتكوف، فقد أعلن عنصريته الرسمية بشكل أكثر وقاحة عندما أشار إلى أنّ اللاجئين الأوكرانيين ليسوا مثل اللاجئين التي اعتادت أوروبا عليهم، فهم أذكياء ومتعلّمون ولا يمتلكون ماضياً غامضاً بأن يكون إرهابيين!
أمّا شبكة الجزيرة فقد اضطرت إلى الاعتذار عن تصريح عنصري لمذيع بريطاني عبر قناتها الإنجليزية خلال تغطية العملية الحربية، فقد قارن هذا المذيع بين اللاجئين الأوكرانيين واللاجئين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ونلاحظ في هذا السياق أنّ هناك محاولات لإضفاء الطابع الشخصي والفردي على هذا السلوك، مع أنّ انتشاره بشكل واضح ومن خلال مناسبات متعددة ترافقت مع العملية الحربية، يشير إلى أنّ هذا السلوك انتهز هذه الفرصة للإعلان عن موقف عنصري متجاوزاً إلى حدٍ واضح الفردية والشخصية، باعتباره فكراً يجد من يحتضنه لدى فئات مختلفة في بعض المجتمعات الأوروبية ما كان له أن يظهر لولا تداعيات العملية الحربية الجارية الآن على الأراضي الأوكرانية.
وهناك عنصرية تأخذ بعداً مختلفاً من خلال سلوك القياس بمقاييس مختلفة، فهناك من انبرى ليدين دولة تغزو وتحتل دولة أخرى، بينما يتجاهل هذا البعض كل ما قامت به أميركا والدول الاستعمارية الأوروبية طوال قرون من احتلالات وتغيير أنظمة وانقلابات، ناهيك عن تجاهل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وتشريد شعبها.
الكيل بمكاييل اخترق الألعاب الرياضية في أوروبا والتي عبرت عن ادانتها في الحرب، وهذا أمر عادل ومطلوب، فالجميع ضد الحرب والحروب. غير أنّ هذه الفرق والمؤسسات الرياضية سبق أن منعت أبطالاً عرباً أعربوا عن موقفهم الوطني والقومي بعدم اللعب مع ممثلي الاحتلال الإسرائيلي، فقامت بفصلهم من المسابقات ومنعهم من المشاركة بحجة عدم خلط الرياضة بالسياسة، في حين أنّها سمحت بل شجعت على مثل هذا الخلط للاصطفاف إلى جانب أوكرانيا ضد روسيا.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد