في اليوم التالي لانعقاد المجلس المركزي، ردت إسرائيل على نحوٍ مباشر وعملي على مُخرجات المجلس، من خلال إعدام الجيش الإسرائيلي ميدانياً ثلاثة مناضلين من حركة «فتح»، وجناحها العسكري «كتائب شهداء الأقصى».
عدا ذلك لم تبدِ إسرائيل، أي قلق إزاء القرارات التي اتخذها المجلس بينما هي ـ أي القرارات ـ تمسّ عصب العلاقة بين السلطة والمنظمة وبين إسرائيل.
والحال كذلك بالنسبة للإدارة الأميركية المنشغلة حتى العظم في تطورات الصراع واحتمالات وقوع الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
الإدارة الأميركية كانت قد ألمحت للسلطة قبل يومٍ واحد من انعقاد المجلس المركزي إلى ضرورة الامتناع عن التصعيد، ذلك أنها ليست في المقام الذي يسمح لها بالانشغال في تصعيد التوتر بين المنظمة والسلطة وبين إسرائيل في هذا الوقت بالذات.
من يدري إذا كانت الإدارة الأميركية، قد أرفقت نصيحتها للسلطة بوعود جديدة تتصل بإمكانية تنفيذ ما قد سبقت إطلاقه من الوعود بشأن العلاقة مع الفلسطينيين.
بالنظر للمُخرجات السياسية التي صدرت عن المجلس، وأُحيلت للجنة التنفيذية للمصادقة عليها كما يعتقد البعض أو لوضع آليات محددة للتنفيذ، فإن طبيعة تلك المُخرجات والإحالة للجنة التنفيذية تشير إلى أن المنظمة قد أخذت التوجيهات الأميركية بعين الاعتبار.
قد يعني ذلك أن تنفيذية المنظمة ستضع على الأقل لبعض الوقت تلك المُخرجات على محمل التهديد وليس على محمل التنفيذ السريع.
المُخرجات السياسية للمجلس ستحدث فرقاً بالتأكيد في حال تم وضعها موضع التنفيذ، بالرغم من أن « حماس » والجهاد والجبهة الشعبية، أعلنت في بيان مشترك عدم الاعتراف بكل مُخرجات المجلس التنظيمية منها والسياسية.
ربما من المفترض أن يتغير هذا الموقف، وباتجاه التعاطي الإيجابي مع القرارات السياسية في حال باشرت المنظمة والسلطة في تنفيذها، وإلّا فإنّ غياب أو تأجيل عملية التنفيذ سيضاف إلى سلسلة القرارات المتكررة التي صدرت، عن المجلسين المركزي والوطني. بهذا الخصوص خلال سنوات لاحقة.
عضو اللجنتين المركزية لحركة «فتح» والتنفيذية للمنظمة الوزير حسين الشيخ أدلى بتصريح يُفهم منه أنه يعلق المُخرجات السياسية على ضرورة توفير القاعدة الوطنية الموحدة، ولذلك فإنه يدعو إلى حوارات ثنائية عاجلة من أجل ذلك.
هذا يعني أن مسألة التنفيذ ستحتاج إلى وقتٍ وقد يكون طويلاً، حتى في حال استجابت القوى السياسية لتلك الدعوة، إذ إن الحوار والتوافق، وإنهاء الانقسام يحتاج إلى وقتٍ بالنظر لعمق الخلافات، والانقسامات في الحركة الوطنية الفلسطينية.
في مُطلق الأحوال، فإن تنفيذ القرارات السياسية سيشكل بداية انقلابٍ كليّ على اتفاقيات أوسلو، وهو أمر دونه عقبات وصعوبات هائلة، تحتاج إلى جملةٍ من الخطوات العملية المهمة على المستوى الفلسطيني، حتى لا يرتدّ ذلك سلباً على الوضع الفلسطيني برُمّته، أو كما يقول المثل المصري «الخروج من الحمّام ليس كما الدخول إليه».
إذا كانت المُخرجات السياسية لم تحظَ بالقدر الذي تستحق من الاهتمام فإنّ تساؤلات الصحافيين والمهتمين تنصبّ حول القرارات التنظيمية، خصوصاً ما يتعلق منها باختيار الوزير حسين الشيخ لتسلّم مسؤولية أمانة سرّ المنظمة في اللجنة التنفيذية.
التساؤل يذهب إلى الربط بين هذا الاختيار من قبل الرئيس محمود عباس ، والإعلانات تقول إنه حظي بموافقة اللجنة المركزية، إلى فكرة التحضير لخلافة الرئيس في حال غيابه لأي سبب من الأسباب.
بشكلٍ عام فإن القرارات التنظيمية التي صدرت عن المجلس المركزي سواء فيما يتعلق برئاسة المجلس الوطني، ورئاسة الصندوق القومي أو ملء الفراغات في اللجنة التنفيذية على النحو الذي تم، تؤكد أن حركة «فتح» قد عززت سيطرتها على مؤسسات منظمة التحرير، كأمرٍ واقع، واستباقي لما يمكن أن تأتي به الأيام اللاحقة، من إمكانية نجاح المساعي لإنهاء الانقسام، وعودة وانضمام الكل للمنظمة.
أما تعيين أو اختيار ممثل للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين نائباً لرئيس المجلس الوطني في الموقع الذي كان يشغله الراحل تيسير قبعة، من الجبهة الشعبية، فإن ذلك سيضيف تعقيدات إضافية بالنسبة للجبهة الشعبية، التي ترى في ذلك التعيين، تراجعاً عن اعتبارها والاعتراف بها على أنها التنظيم الثاني في المنظمة. ما لا تتسامح بشأنه الجبهة الشعبية وترى فيه خطوة عدائية من قبل حركة «فتح».
والآن هل يمكن النظر لقرار اختيار حسين الشيخ في الموقع الثاني في المنظمة على أنه مؤشّر أكيد على اختيار خليفة للرئيس أو أنه خطوة أولى مهمة على الطريق؟
الأمر ليس على هذا القدر من السهولة والبساطة ذلك أن تحديد الشخصية المناسبة لموقع الرئاسة، ليس أمراً فلسطينياً خالصاً، ذلك أنه محصلة تداخل عوامل موضوعية مؤثرة وفاعلة بالإضافة إلى العامل الفلسطيني.
في العامل الفلسطيني أولاً، ثمة نائب للرئيس في حركة «فتح»، تم انتخابه منذ سنوات، وهو «أبو جهاد» العالول. ثانياً، فإن اختيار رئيس المنظمة يخضع لقوانينها التي تتطلب وجود مجلس وطني، وهو غير موجود، حيث يتم الانتخاب مباشرة. وثالثاً، أن اختيار رئيس للسلطة الوطنية، هو أيضاً يتم حسب القانون من خلال انتخابات عامة، الظروف ليست مهيّأة لإجرائها. أما رابع هذه العوامل، فيعود إلى عديد المنافسين من داخل اللجنة المركزية لحركة «فتح»، وذلك أمر لا يمكن لأحدٍ أن يتجاهله.
يُضاف إلى كل هذه التعقيدات، التعقيد الوطني العام في الإطار الأوسع للحركة الوطنية الفلسطينية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية