يعاني قطاع غزة منذ حوالي 15 عامًا من حالة من الحصار المشدد المفروض عليه وذلك عبر اعتباره منطقة معادية من قبل دولة الاحتلال بما يشمل حظر ادخال العديد من المواد اللازمة لعمليات التنمية والاعمار بحجة أنها مزدوجة الاستخدام وقد تمأسس ذلك عبر الية الرقابة (GRM) والتي نتجت عن عدوان 2014.

صاحب الحصار أربعة عمليات عسكرية عدوانية واسعة (2008، 2012، 2014، 2021) قامت بها دولة الاحتلال بتدمير البنية التحتية والمرافق الإنتاجية وتقليص التصدير بالحد الأدنى وتعطيل المشاريع التنموية وعرقلة عملية إعادة الاعمار. 

تزامن الحصار والعدوان مع حالة الانقسام بين حركتي فتح و حماس الأمر الذي عمق من تداعيات الانقسام على قطاع غزة وأدخله في أزمات إنسانية جديدة خاصة مع تقليص التوظيف في الوظيفة العمومية والخصم على رواتب الموظفين العموميين والتقاعد المبكر وغيرها من الإجراءات التي عمقت من حالة التدهور في مستوى المعيشة. 

داهمت ال كورونا قطاع غزة وهو يعج بالعديد من الأزمات الأمر الذي عمقها بسبب هذه الجائحة من حيث اغلاق العديد من المشاريع الإنتاجية الرسمية وغير الرسمية سواء كانت سياحية أو زراعية أو صناعية أو مشاريع صغيرة أو متناهية الصغر حيث تضررت قطاعات اجتماعية عريضة وواسعة جراء هذه الجائحة. 

في قطاع غزة تصل نسبة البطالة من حجم القوى العاملة حوالي 48% ونسبة الفقر العام 65% والفقر الشديد 34% وانعدام الأمن الغذائي 60% وتراجع نصيب الفرد السنوي ليصل الي  حوالي 800 دولار كما سجل الناتج القومي الإجمالي تراجعًا ليصل الي   -6% وذلك لعام 2020. 

ترافقت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية في قطاع غزة مع تعطل عمل المؤسسات التمثيلية الفلسطينية وانحياز البعض منها لصالح الحزب السياسي الحاكم في هذه المنطقة أو تلك. 

لقد تم اصدار سلسلة من القوانين من قبل كتلة الإصلاح والتغيير في غزة دون مصادقة الرئيس عليها، كما أصدر الرئيس سلسلة من القرارات بقانون دون مصادقة المجلس التشريعي عليه، حيث أصبحنا أمام بنيتين قانونيتين مختلفتين عن بعضهما البعض في ظل تحيز جهاز القضاء للسلطة التنفيذية كل في منطقته. 

لقد تم حل المجلس التشريعي ولم تمض  الانتخابات التي تم الإعلان عنها في يناير 2021 الى مآلها الطبيعي حيث تجمدت تحت اسباب ومبررات مختلفة.

أدت حالة النظام السياسي الفلسطيني بسبب الانقسام وتعطل الانتخابات وغياب المؤسسات  التمثيلية الجامعة الى تراجع في حالة الحريات العامة بما يشمل حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي والحق في الوصول الى المعلومات وتكوين الجمعيات وغيرها من الحقوق المكفولة وفق القانون الأساسي الفلسطيني.

أفرز حال قطاع غزة مظاهر اجتماعية الى جانب المظاهر الاقتصادية أبرزها الانكفاء على الذات والرغبة في الهجرة وارتفاع معدلات الطلاق وغيرها من المظاهر.

أخطر المظاهر التي تواجه الشباب تكمن بظاهرة الهجرة حيث تشير الاستطلاعات الى استعداد حوالي 46% من المستطلعين للهجرة فوراً حينما تتاح الظروف لهم علمًا بأنه جرت احداث مروعة مست بحياة الشباب الفلسطيني من قطاع غزة في رحلة الهجرة التعيسة والمتعبة.

واذا كان الفن انعكاسا للواقع بوصفه أداة للتعبير ووسيلة للتغيير فقد برزت بعض الأنشطة والفعاليات الملفتة للنظر والتي تعكس واقع ومأساة شعبنا في القطاع وذلك من خلال أعمال فنية عديدة كالرسم على الجدران والتصوير الفوتوغرافي والمسرحيات والأفلام القصيرة والفن التشكيلي والرسم على اللوحات وغيرها من وسائل التعبير الفنية والتي عكست حالة من ابداع الجيل الصاعد من الشباب علمًا بأن البعض من هذه الأشكال التعبيرية كانت تهدف الى ارسال رسائل قيمية ومعرفية محددة مثل المشاركة والحق بالانتخاب وتعزيز تمثيل الشباب والنساء والمساءلة واستقلالية القضاء والحق بالرأي والتعبير وغيرها من الأمور. 

وحتى يتم التعبير فنيًا عن معاناة الشعب الفلسطيني ودمجها بمفهوم المواطنية يجب ان يكون هناك نظام فلسطيني ديمقراطي تعددي  وموحد مبني على الانتخابات الدورية تتحقق به مبادئ سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء واحترام الحريات العامة. 

لقد كانت واحدة من تداعيات الانقسام تكمن في  تعزيز النزعة الفئوية السياسية والعشائرية والقبلية والجهوية التي تنطوي على عناصر تمييزية في المجتمع بما يتناقض مع المرجعيات القانونية للشعب الفلسطيني وأبرزها اعلان الاستقلال والقانون الأساسي الفلسطيني.

ان تحقيق المواطنة المتساوية والمتكافئة على أرضية أن الجميع أمام القانون سواء بغض النظر عن الدين أو الجنس أو اللغة أو العرق أو الأصل الاجتماعي يتطلب وحدة النظام السياسي وتحقيق السيادة الوطنية كما يتطلب تعزيز الثقافة الحقوقيةو  المدنية وترسيخها بقوانين وتشريعات ضابطة لها لتحقيق مجتمع متحرر من الاحتلال وقادر على تحقيق قيم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد