انتهت المرحلة الأولى من الانتخابات المحلية في الضفة الغربية بنجاح باهر للعملية الديمقراطية، فقد جرت هذه  الانتخابات في 154 هيئة وكانت نسبة المشاركة فيها 66% بزيادة قدرها 13% عن سابقتها في العام  2017، ولم يتخللها ما يشوب أو يعكر صفو العملية الانتخابية. وهذا في الواقع يحسب للسلطة الوطنية في أنها نجحت في إجراء الانتخابات بشفافية عالية سواء من حيث الترشيح والدعاية والتصويت أو ضمان الأمن إلى درجة أن البعض وصف النتائج بأنها خسارة لحركة «فتح» التي لم تحصل على غالبية في الهيئات المنتخبة. وفي الواقع هي خسارة لكل الأحزاب والقوى لأن نسبة المستقلين والعائلات شكلت 70% من عضوية الهيئات المنتخبة. وهذا تراجع كبير لدور الفصائل والأحزاب في المجتمع وتعاظم لدور العائلات والعشائر، ما يدل على ازدياد التخلف الاجتماعي والنزعة العشائرية.
وستتم المرحلة القادمة من الانتخابات المحلية في السادس والعشرين من شهر آذار القادم، والتي تشمل البلديات الكبرى و25 هيئة في قطاع غزة . وقد رفضت حركة « حماس » إجراء الانتخابات في قطاع غزة بسبب الإعلان عن المرحلة الأولى دون جدولة المرحلة الثانية، أما وقد تم تحديد موعد المرحلة الثانية فليس واضحاً ماذا سيكون موقف «حماس» من إجرائها. والحقيقة أن «حماس» لا يمكنها أن تبرر عدم إجراء الانتخابات في مواعيدها طالما هي تتغنى بما تقول أنه هزيمة لحركة «فتح» في الضفة. حيث أن الانتخابات البلدية هي النافذة الوحيدة المتاحة للجماهير الفلسطينية لانتخاب ممثليها حتى لو كان في هيئات محلية لا ترقى إلى مستوى الانتخابات العامة. ولكنها مهمة في تعزيز العملية الديمقراطية وفي التمهيد لانتخابات عامة قادمة وتوفير أجواء مريحة على المستوى الوطني. أي أن الانتخابات المحلية يمكن أن تكون «بروفة» ورافعة لعملية وحدوية تجري على مستوى الوطن. وعلى «حماس» أن تثبت فعلياً أنها مع الديمقراطية والاحتكام إلى رأي الجماهير وألا يصبح الموضوع انتقائياً.
نحن بحاجة إلى تكريس حكم الشعب في كل تفاصيل حياتنا، وبحاجة لانتخابات عامة بأسرع وقت ممكن ولكننا قبل ذلك بحاجة لتطوير آليات للحوار والتفاق الوطني حول كل القضايا التي تهم الوطن والمواطنين بعيداً عن الإقصاء والتخوين والتجريم إذا أردنا فعلاً أن نتقدم في النضال من أجل انهاء الاحتلال وبناء دولة فلسطينية ديمقراطية وعصرية. وعلى الجميع المساهمة في إيجاد الحلول للمشاكل والمعيقات التي تحول دون إجراء الانتخابات العامة في كافة المناطق الفلسطينية المحتلة وفي مقدمتها القدس .
الحديث عن الانتخابات وتكريس دور الشعب في الاختيار ليس بعيداً عن ترتيب أمورنا الداخلية جميعها إن أردنا أن نقيم حكماً ديمقراطياً نزيهاً وشفافاً يليق بتضحيات شعبنا ونضالاته. وهذا يشمل سلطة القانون والنظام العام. فلا معنى لانتخابات ديمقراطية لاختيار الهيئات المحلية وبعد ذلك الانتخابات العامة للمجلس التشريعي والرئاسة إذا ما سادت الفوضى مجتمعنا. ونحن هذه الأيام نشهد بوادر انتشار الفوضى في مناطق عديدة من الضفة الغربية في موجة يبدو أنها منظمة ومدارة من جهة لديها مصلحة في تعميم الفوضى المسلحة في الضفة. مع العلم أن الفوضى لا تخدم الشعب الفلسطيني وتخدم الاحتلال فقط الذي يريد في كل مناسبة أن يثبت أن الشعب الفلسطيني غير قادر على إدارة أموره بنفسه وغير قادر على حفظ نظامه ومصالحه.
عند التطرق لمظاهر الفوضى التي جرت في جنين و نابلس و بيت لحم وفي الجامعات التي أضحت مكاناً للنزاعات العائلية والقبلية، نواجَه دائماً بالشعارات التي تتحدث عن المقاومة وسلاح المقاومة ودور السلطة والتنسيق الأمني. وعلى ما يبدو هذا الخلط هو مقصود وممنهج لإحداث البلبلة. فلا علاقة للمقاومة بفوضى السلاح. وسلاح العائلات والمجموعات المنفلتة الذي يُستخدم للاستعراضات وللمشاكل الداخلية لا علاقة له بالمقاومة، والدليل هو أن إسرائيل تسمح به ولا تحرك ساكناً تجاهه، وغالبيته يأتي من داخل إسرائيل ومن مخازن جيشها. وعندما تعلم سلطات الاحتلال أن هناك مجموعة تمتلك سلاحاً وتفكر في استخدامه ضد أهداف اسرائيلية تطاردها ليل نهار وبكل الوسائل للقبض عليها أو قتلها. والسلاح الذي نراه هو للفوضى وهو مرضي عنه، ومن يقول غير ذلك يخدع نفسه أو يراوغ.
صحيح أن إدارة السلطة والأجهزة الأمنية لهذا الملف فيها الكثير من الأخطاء وربما التجاوزات وأحياناً التقاعس والاستهتار، ولكن هي تتحمل المسؤولية الأولى عن وضع حد فوري وحاسم لكل أشكال الفوضى المسلحة التي تهدد بدمار المجتمع وانهيار سلطة القانون حتى بشكلها الحالي. والفصائل مجتمعة عليها دور مهم في مساندة مهمة الأجهزة الأمنية وليس التحريض عليها والتشكيك فيها وترديد الشعارات التي تخلط بين الفوضى والمقاومة لأغراض تتعلق بالمناكفة والصراعات السياسية. فالفوضى لا تخدم أحداً وقد عانينا منها في المراحل الأخيرة من الانتفاضة الثانية، ولا نزال حتى الآن ندفع ثمن هذه الفوضى التي ألحقت بنا دماراً هائلاً ودفعت المشروع الوطني إلى الخلف.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد