تخيلتُ نفسي في خيمة وسط الثلوج المنهمرة، خيمة لا تقي عائلتي البرد وتُصارع أقمشتها الرياح، أحمل طفلتي بين ذراعي وألملم شتات جسدي لعلى أوفر بعض الدفء لها في ظل هواء عاصف يكاد يخلع أوتاد عائلتي قبل خيمتي وثلوج وماء مطر تُداهمان أشيائي وتبعثران ما أملك على بساطته، وإذ بطفلي الذي تُحاول أمه تدفئته بعناقها له ونار اشتعلت من حطب على استحياء تزرق وجنتاه ويرمقني بنظرة وداع قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة دون أن تُسعفني البطاطين ونار الحطب على إنقاذه.

 

ذلك المشهد المتخيل نتيجة سيل متدفق من المقاطع المصورة والصور الفوتوغرافية والتي تصف واقع اللاجئين وعديمي الجنسية والفقراء في مختلف مناطق تواجدهم أصابني بالهلع وجفاني النوم، ورغم اعتيادي رؤية مشاهد الكوارث والحروب وآثارها على البشر إلا أن الأثر النفسي يبقى قوياً يهز وجداني ويحرك مشاعري ويتملكني الغضب لقلة حيلتي وتعجز كلماتي عن التعبير.

 

والمشهد أعلاه ليس نصا سينمائيا أو ضرب من خيال، ففي العام الماضي أُعلن عن وفاة الطفل الرضيع عبد الوهاب أحمد الرحال (7 أشهر) بمخيم في ريف إدلب، وكذلك الطفل أحمد محمد ياسين بمخيم في ريف حلب فيما بلغ عدد الوفيات في صفوف اللاجئين السوريين منذ العام 2011 167 مواطناً سورياً، بينهم 77 طفلاً نتيجة البرد القارص فيما عُثر على سيدتين وطفليهما في جبال لبنان وقد تجمدتا حتى الموت رغم محاولتهما تخفيف وطأة البرد على طفليهما بالعناق، أو لعله كان عناق الوداع الدنيوي قبل الرحيل.

 

ومع بدايات فصل الشتاء والتغيرات المناخية بدأ شبح الموت برداً يُطارد الأطفال في أزقة المخيمات ووسط خيام اللجوء وخلف الجدران الآيلة ويفاقم من الوضع الإنساني الصعب لآلاف اللاجئين والنازحين والفقراء.

 

منطقة الشرق الأوسط إحدى أكثر المناطق الإقليمية التي يُعاني فيها اللاجئون والنازحون والفقراء من آثار الحروب والصراعات الداخلية والتغيرات المناخية ويقع الفارين من فوهة المدافع والصواريخ المتساقطة من السماء في جبهات القتال أسرى الظروف الميدانية وتقلبات الطبيعة التي تحول دون وجود بر أمان وتقلل من فرص النجاة.

 

فاليمن السعيد ما عاد سعيداً ويضرب الحزن مدنه وجباله وما تكاد نيران معركة تهدأ حتى تشتعل غيرها، وتحول اليمن المعطاء لأرض يعاني شعبها صاحب الأيادي البيضاء أسوأ أزمة إنسانية في العالم، ويكاد الجوع والفقر يفتك ب 4 ملايين يمني يعانون ظروف قاسية تقابلها ضعف في الاستجابة الإنسانية من قبل المؤسسات الدولية، فيما يعتمد أكثر من 20 مليون يمنيّ على المساعدات الإنسانية.

 

أما غزة عروس المتوسط وقبلة الأحرار فالحصار الجائر مستمر عليها منذ خمسة عشر عاماً، وما تزال آثار عدوان مايو 2021 الضروس ماثلة للعيان فيما لم تتعاف بعد من عدوان 2014 وآثاره، تلك البقعة الصغيرة جغرافيا الكبيرة بأفعالها أصابتها آثار العدوان والحصار في مقتل، الأمر الذي أدى لتفاقم نسب الفقر والبطالة في قطاع غزة وتسبب في انهيار الخدمات الأساسية وعجز في القدرة الشرائية لدى المواطنين.

 

ولبنان سويسرا الشرق التي كانت تنبض بالحياة والجمال فقدت رونقها وبات أهلها يُصارعون لأجل توفير احتياجاتهم اليومية من أكل وماء وكهرباء في ظل أزمة انهيار العملة اللبنانية وتذبذب الاستقرار السياسي وبات اللبناني واللاجئ الفلسطيني والسوري يعتمدون بشكلٍ أساسي على المساعدات الإنسانية المقدمة من الخارج.

 

فيما يستقبل أكثر من 5 مليون لاجئ سوري نصفهم من الأطفال في منطقة الشرق الأوسط الشتاء القادم ببرودة طقسه وثلوجه دون فرصة للنجاة من آثاره إن لم يكن هناك تدخل من قبل المؤسسات والمنظمات الدولية.

 

وفي محاولة للوقوف أمام مسؤولياتنا واستنهاض المسؤولية المجتمعية لدى الشعوب ورغبة منا في عدم رؤية وسماع أخبار وفيات من اللاجئين والنازحين والفقراء خصوصا في صفوف الأطفال، ولما يمثله العالم الرقمي ومنه شبكات التواصل الاجتماعي من أهمية في التوعية بالقضايا وتعزيز التدخلات الإنسانية، وسهولة وسرعة الانتشار وتوظيف لطاقات المؤثرين بشكل فاعل وايجابي أطلقنا حملة عطاؤك دفؤهم للمساهمة في توفير الحماية والدفء ل 3500 أسرة من اللاجئين لتكون هذه الحملة صوت اللاجئ والنازح والفقير وجسر الوصول لمن يرغب في تقديم ما يستطيع والنشر أضعف الإيمان.

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد