لا يمكن فصل ما حدث من اتفاق عسكري بين إسرائيل والمغرب عن محاولة الأولى تمزيق الحالة العربية، وإمعان إضعاف أي ممانعة لتطبيع وجودها في المنطقة، من خلال التدخل المباشر في القضايا العربية، واصطفافها إلى جانب طرف ضد آخر؛ من أجل أن تكون لها كلمة في واقع الحالة العربية الواهنة. وبنفس القدر أيضاً لا يمكن إغفال العين عن حقيقة رؤية إسرائيل للقارة الأفريقية، وجهودها الحثيثة من أجل أن تتحول تلك القارة إلى غابة من الأشجار السامقة التي تحمي الموقف الإسرائيلي في المنظمات الدولية، حيث إن التدخل في الشأن الأفريقي العربي جزء من صياغات التوجهات الأفريقية العامة والتأثير على مواقف القارة.


لذلك ومع أهمية النقاش حول ما تسعى إليه إسرائيل من خلال تعميق العلاقات مع واحدة من الدول العربية المهمة، مثل المغرب، وجوانب تأثير ذلك للضغط على قوة الممانعة الأكبر للتطبيع في المنطقة العربية في أفريقيا أي الجزائر، فإن نقاشاً آخر يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الدور الإسرائيلي في القارة السوداء، من أجل حرف توجهات القارة التي كانت في لحظة حاضنة للموقف العربي والفلسطيني بشكل خاص، بما يخدم مصالح ومواقف الدولة التي كانت سابقاً في حالة حرب مع كل الدول العربية في القارة. المؤكد أن تسليط إعادة الانتباه إلى هذا الدور المتزايد لتل أبيب في شؤون القارة، وما تقوم به من تقديم مساعدات وتسليح وتنظيم انقلابات ومساندة جماعة ضد جماعة أخرى، كل ذلك يساهم في فهم التحولات التي تجري في القارة والتي باتت، أي تلك التحولات، تمس جوهر المصالح العربية وتضر بتلك المصالح بشكل كبير. فالقصة ليست مجرد توقيع اتفاق أو بيع أسلحة أو حديث عن شكر «الأمة اليهودية» بكلمات وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس ، بل الأمر تعدى ذلك إلى تطور مهم وخطر في توجهات إسرائيل في القارة الأفريقية يشكل استكمالاً  لجهودها السابقة في التدخل في القارة، والتأثير في موازين القوة فيها، ولكن هذه المرة يأتي هذا التدخل من البوابة العربية وعبر استغلال الصراع العربي العربي بين أقطاب القوة العربية في القارة.


ولا يجب على المرء أن يبدو متفاجئاً في كل الأحوال. فمآلات التطبيع العربي كانت ستجلب مثل هذه الاتفاقيات والزيارات التي ليست بجديدة أيضاً، ربما طريقة تقديمها الآن باتت مختلفة في الصحافة، لكنها ليست جديدة على الإطلاق، كما أن ثمار الدبلوماسية الإسرائيلية طوال عقود في القارة باتت تؤتي ثمارها. وعليه فالأمر ليس جديداً كما قد يبدو، وليس غريباً، ولا بالشيء الخارج من رحم اللحظة دون تخطيط وتدبير. إنه ثمرة جهد متواصل. كما أن التطبيع مع بعض الدول العربية أيضاً ليس جديداً، لكن في السياسة يبدو عنصر التظاهر بالمفاجأة أساسياً في الخطابات اليومية. وبصرف النظر عن موقفنا مما يجري، فإنه بقدر ما كان متوقعاً.


وبالعودة قليلاً إلى الوراء، فإن مجرد قبول النظر في عضوية إسرائيل وتواجدها في الاتحاد الأفريقي، يخبر كثيراً عن واقع الحالة في القارة السوداء التي باتت حديقة خلفية للسياسة الخارجية الإسرائيلية، وباتت تل أبيب تقرر الكثير في شؤونها وفي طبيعة علاقاتها البينية. لم يكن الأمر أن إسرائيل تطلب معاملة تفضيلية في الاتحاد الأوروبي الذي تعتبر ثقافياً ومعنوياً جزءاً من قارته؛ فهي تشارك في مسابقات الأغنية الأوروبية، وتتنافس على تصفيات الكرة للقارة العجوز، ولا تشارك في القارة الآسيوية بأي شكل من المنافسات ولا التكتلات. لم يكن الأمر أن إسرائيل تبحث عن عضوية فخرية في النادي الأوروبي، أو معاملة خاصة في الاتفاقيات الموقعة معه. وفي الحقيقة، إن تل أبيب تتمتع بمثل تلك المعاملة التفضيلية في كل اتفاقياتها مع الاتحاد الأوروبي، ورغم ما في الأمر من دعم غير مباشر من الاتحاد الأوروبي لجرائم إسرائيل من خلال تلك الأفضلية التي توفر عليها الكثير مما يمكن صرفه على التسلح لقتل الفلسطينيين، إلا أن الأمر أقل استغراباً، لأن ما تبحث عنه إسرائيل هو عضوية في النادي الأفريقي، التي تؤهلها للتأثير بشكل أكبر وبطريقة غير مباشرة على قرارات الاتحاد وعلى مواقف دوله. صحيح أن إسرائيل لن تؤثر بشكل كامل على مواقف الخمس وخمسين دولة الأعضاء فيه، لكن وجودها داخله سيسهل عليها مهمة التأثير على الكثيرين.


الأكيد أن الدور الأفريقي في تفتيت السودان قبل أن يهرع قادته لنيل رضا تل أبيب ليس خفياً. بدأ الأمر بجنوب السودان الذي انسلخ عن الأم، لاهثاً وراء علاقة مع تل أبيب التي كان لها دور كبير في تسليحه ودعم انفصاله من أجل إضعاف الخرطوم، ثم جاء الدور الإسرائيلي في تعميق الحرب الأهلية في الدول العربية الأفريقية من أجل أن يظل عاجزاً عن القيام بأي دور قومي. وهو ما تحقق لها بسهولة بعد الانقلاب في الخرطوم، وسعى الجنرالات إلى كسب ود المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من أجل أن يتم في آخر المطاف إعادة إرسال السفير الأميركي إلى الخرطوم.


ثمة الكثير من الشواهد التي تؤكد دور إسرائيل في التأثير على القارة الأفريقية، ما يعزز جهودها لإضعاف الحالة العربية وتحييد بعض الدول العربية في أسوأ الأحوال. سد النهضة والصراع الأثيوبي لحرمان مصر من المياه لم يكن أمراً جديداً أبداً؛ إذ طالما استخدمت إسرائيل مياه النيل في منابعها الأفريقية من أجل إلهاء مصر منذ زمن طويل على اعتبار الأهمية الكبيرة التي يشكلها النيل لمصر. وبشكل عام، إن توجهات إسرائيل في أفريقيا لم تتوقف، بعد أن تأكدت من أن القارة الأوروبية منيعة ضد أي انزلاقات في المواقف ضدها، لأن أوروبا أيضاً وصلت ذروة ما يمكن أن تقوله وتفعله منذ إعلان البندقية قبل أربعين عاماً.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد