يقوم التاجر الناجح في نهاية كل سنة مالية بعمل جرد حساب لمعرفة نسبة ربحه أو خسارته، وهكذا، فإن أداءنا الفلسطيني العام بحاجة إلى إجراء مراجعة شاملة في إطار وطني عام، وليس ضمن هوامش حزبية وأغراض مرحلية، تشمل، فيما تشمل، الشعارات المرفوعة والوسائل المطروحة، والأهداف المرسومة، وبما يتلاءم مع متطلبات المرحلة، ومعرفة أسباب ما آلت إليه الحالة الفلسطينية من تفتت وترهل وضعف، والاطلاع على العلل والأمراض التي أصابت الفلسطينيين، ودفعتهم إلى أحضان الركود والتأخر، فالقضية الفلسطينية هي الوحيدة في العالم التي لم تنل استقلالها وحريتها حتى يومنا هذا.
وهذا ما يحتم علينا جميعاً قراءة المرحلة السابقة بصورة تفسيرية، والإجابة على الأسئلة التي تطرح نفسها بإلحاح وموضوعية: فهل الأداء الفلسطيني كان معبراً عن الطاقات والخبرات والقدرات التي يمتلكها الشعب الفلسطيني؟ وهل يرتقي هذا الأداء إلى حجم التضحيات الجسام التي قدمها الشعب الفلسطيني؟ وهل هذا الأداء يتناسب مع الأخطار التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على فلسطين: الوطن والقضية والشعب؟ وهل كان بالإمكان أفضل مما كان؟
وذلك يستوجب معرفة حقيقة وضعنا بتجرد، وما حققناه، وما يجب أن نفعله لبلوغ أمال شعبنا وأمانيه وسط عالم يبني سياساته على أسس لا تستند إلى جدار الأخلاق، وتحركه المصالح دون الاهتمام بالوسائل ومصطلحات النزاهة والعدل، وأين نقف نحن؟ وتحديد دور القوى المختلفة في العمل الوطني والاجتماعي، وأثره على الحياة بكل جوانبها، ولتلافي قصورنا وعوامل ضعفنا، ولاستشراف المستقبل، فالتقويم هو الوسيلة المثلى القادرة على تحقيق استشراف المستقبل واستخلاص العبر، وهذا واجبنا الأخلاقي تجاه أولادنا وأحفادنا وتجاه الأجيال القادمة، فقد آن الأوان لنعدل عقارب الساعة باتجاه النقد الذاتي البنَّاء، رغم وعينا بما يثيره هذا النقد من اللبس والالتباس، وبعيداً عن نظرية المؤامرة وخطاب الضحية، وبنظرة محيطة شاملة من أجل قيادة الحركة الوطنية إلى بر الأمان، ووصولاً إلى مرجعية وطنية شاملة واستراتيجية تنسجم مع روح التغيير الأيديولوجي، وعلينا أن نقدم أنفع الوسائل لتحقيق ذلك على أسس راسخة من المشاركة الشعبية الواسعة في صنع القرار.
وهنا، لا بدَّ من تصحيح الخلل الذي قد يبدو جلياً في هيكلية القيادة التنفيذية والإدارية للدولة، والذي يرجع في كثير من مواقعه إلى عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وغض الطرف عن الممارسات السلبية لهذا المسؤول أو ذاك، بحيث يتم وضع المصلحة الوطنية العليا فوق كل اعتبار، واستنهاض الطاقات الكامنة في الرصيد الجماهيري والقادرة على إحداث ثورة في الأداء الواعي والعميق والأمين من خلال البحث عن القيادات النزيهة والقادرة على إحداث التحولات النهضوية لبناء مجتمع محصن بآليات فاعلة وقادرة على التغيير الإيجابي، وهنا نستحضر قول الشاعر القروي رشيد سليم الخوري:
وكيف ألوم في وطن الزمان ومنّا ذله لا من سوانا؟
المصدر : وكالة سوا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية