ما أن أعلنت حكومة نتنياهو الموسعة جداً حتى بدأت التعليقات عليها من كل الاتجاهات الإسرائيلية غير المشاركة في الحكومة طبعاً، والعنوان الأبرز لجميعها، هو أن نتنياهو خضع لابتزاز كبير من كل الشركاء.
وهذه الحكومة الأكبر اضطرته إلى توزيع الكعكة وما حولها على كل طالب من الكتل المشكلة للائتلاف؛ لأن غضب أية كتلة يعني نهاية فرصته في أن يكون رئيس حكومة إسرائيل.
والثمن الذي دفعه نتنياهو كان بدون شك على حساب الخزينة الإسرائيلية، حيث أجبر على توسيع الحكومة من وزراء ونواب وزراء ومناصب إدارية أخرى على عدد كبير من الأشخاص، حتى يرضي كل الراغبين. وأيضاً على حساب حزبه "الليكود" الذي اضطر للقبول بالقليل لإشباع طمع المنكبين على الكعكة، وهو في هذا الإطار يواجه مشكلة مع المستوزرين في الحزب، وليس آخرهم العضو الدرزي أيوب قرا، الذي هدد بإسقاط الحكومة ومنع حصولها على ثقة الكنيست ؛ في حال عدم حصوله على منصب وزاري؛ باعتباره العربي الوحيد في كتلة "الليكود"، ولا يوجد وزير عربي في الحكومة.
وفي إطار توزيع الكعكة، كان على نتنياهو إرضاء سيلفان شالوم الذي كان يطمح في وزارة الخارجية، التي أبقاها نتنياهو بالإضافة إلى ثلاث حقائب في يده، بانتظار نجاحه في توسيع الحكومة؛ كونه يعلم أنه لا يمكن أن يعمل بصورة جيدة في حكومة تعتمد على صوت واحد فقط.
ولكن المفارقة أن نتنياهو كلّف شالوم الذي لا يدل اسمه عليه بملف عملية السلام والمفاوضات مع الفلسطينيين.
طبعا لا أحد يتوقع من نتنياهو أن يبدل موقفه السياسي من ملف الصراع، ولكن على الأقل، وفي إطار محاولة تسويق نفسه دولياً والإيهام بأنه يولي هذا الملف أهمية ما، ينبغي أن يختار شخصاً أقل تطرفاً، مع ذلك لم يعد نتنياهو يهتم حتى بمظهر وشكل الحكومة أمام الرأي العام الدولي، وهذا ينبع ليس فقط من تطرفه بل وكذلك من صلفه وعنجهيته، وهو يرى أن العالم بأسره يتوجب عليه أن ينصاع له باعتبار أن إسرائيل هي الدولة العظمى الأهم في هذا الكون.
تعيين شالوم مسؤولاً عن ملف العملية السياسية المتوقفة أصلاً والتي تعاني من حالة موت سريري، يؤكد نواياه تجاه العملية، وهو ما أكده في خطابه في الكنيست وأيضاً في كلمته بمناسبة ما يقولون: إنه تحرير وضم القدس ، فهو عاد إلى موقفه المعلن والدائم الذي يكرره بمناسبة وبدون مناسبة، والذي يقول فيه: إن القدس موحدة "عاصمة الشعب اليهودي للأبد ولن تكون عاصمة لشعب آخر"، أي أن نتنياهو يصر على لاءاته المعروفة: لا عودة إلى حدود العام ١٩٦٧، ولا مفاوضات حول القدس، ولا عودة للاجئين الفلسطينيين، ولا تفكيك لمستوطنات، ولا للانسحاب من غور الأردن ومن مرتفعات الضفة، وإذا رغب الفلسطينيون في التفاوض يمكن مفاوضتهم على ما تبقى، ولا مانع أيضاً من تحصيل تنازلات إضافية منهم.
الشيء الذي يتفق عليه معظم المحليين، هو أن هذه الحكومة قد لا تعمر طويلاً؛ لأنها تعتمد على أغلبية عضو كنيست واحد فقط؛ ولأنها تحمل تناقضات كثيرة هي بالأساس غير سياسية، والخلاف بين الشركاء فيها قد يظهر حول أية قضية، هذا عدا عن كونها حكومة مكروهة من قطاعات واسعة بسبب عملية الابتزاز واستنزاف الخزينة العامة وأيضاً بسبب طابعها المتطرف، الذي يريد أن يحول إسرائيل إلى دولة أصولية لا تهتم حتى للقيم الشكلية التي تتمسك بها إسرائيل لتظهر بمظهر الدولة الديمقراطية التي تنتمي للعالم المتحضر، مثل الدول الأوروبية التي تتمثل بها إسرائيل.
فاليوم هناك وزيرة عدل ( قضاء) من حزب (البيت اليهودي)، تعتبر مهمتها الأولى تقليص صلاحيات محكمة العدل العليا، أي الحد من السلطة القضائية لصالح السلطة التنفيذية، ما يعني تحويل إسرائيل إلى المزيد من الديكتاتورية والتطرف والعنصرية، لأن من يحكم هو اليمين المتطرف الذي يمثل المستوطنين على وجه الخصوص، وهذا لا يعني أن المحكمة العليا هي موضوعية ومنصفة، ففي قضية تظاهرة الإعلام التي تقوم بها الجهات المتطرفة في القدس كل عام وتتعمد الدخول من الحي الإسلامي، في إطار استفزاز عنصري ضد المواطنين الفلسطينيين، الذي يضطرون لإغلاق محلاتهم والدخول في مواجهة مع المتطرفين المدعومين من الشرطة وقوات الأمن، وسط هتافات تطالب بموت العرب، رفضت هذه المحكمة الدعوى التي رفعتها جهات إسرائيلية يسارية لمنع المظاهرة العنصرية، ولكن وجود المحكمة في ظل عدم وجود دستور إسرائيلي يخلق نوع من التوازن ويؤمن الفصل بين السلطات.
من الواضح أنه لن يكون هناك سلام أو حتى محاولة جدية للتفاوض مع هذه الحكومة، وستكون لغة المواجهة هي السائدة على الأرض وفي المحافل الدولية.
لا سيلفان شالوم ولا نتنياهو يمكنهما الذهاب أبعد من دائرة المتطرف نفتالي بينت، وزير التربية والتعليم، الذي يريد لليهود أن يستولوا على الأقصى ويصلوا فيه للأبد، ووزير الزراعة أوري أرييل، الذي يريد هدمه وبناء الهيكل اليهودي مكانه، ولكن رب ضارة نافعة، على الأقل يختفي الزيف الإسرائيلي أمام العالم، ويجعل المجتمع الدولي أمام مسؤولياته تجاه حقوق الشعب الفلسطيني ومستقبل السلام في المنطقة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية