في عادة أي جهة سواء أكانت داخلية أم خارجية تقدم تمويلاً لشركة أو مؤسسة من أجل تقديم أو توصيل خدمة، فإنها تطلب دلائل تثبت تنفيذ وإنجاز ما هو مطلوب؛ تعزيزًا لمبدأ الشفافية والنزاهة ولضمان استمرارية العمل.


وفي حلقة الوصل بين الممول ومتلقي الخدمة وهو "مربط الفرس" كما يقال قد يصاب البعض بالطمع والجشع، فقد يلعب الشيطان بعب من وُكل ليكون أمينًا على حاجات الناس فينحاز إلى المنفعة الخاصة على حساب العامة.


منذ بداية عام 2021 أبلغ الاتحاد الأوروبي السلطة الفلسطينية بتأخر المساعدات الأوروبية المعروفة بـ "شيكات الشؤون الاجتماعية" التي ينتظرها قرابة 115 ألف أسرة في الضفة الغربية وقطاع غزة ؛ لأسباب فنية، واتضح أن التأخر بسبب عمليات التدقيق والمراجعة لكشوفات المستفيدين، كما أفاد مسؤول الإعلام في مكتب الاتحاد الأوروبي ب القدس شادي عثمان في تصريح خاص بوكالة "سوا" الإخبارية.


وردت وزارة التنمية الاجتماعية في رام الله بتصريح رسمي على ذلك بالقول، إنها تقوم بشكل دوري بعملية تحديث بيانات المستفيدين من العائلات الفقيرة سواء في الضفة أو غزة، وبأن هذا الأمر يتم وفق شفافية تامة والاتحاد الأوروبي يعلم ذلك بشكل جيد، وأن عملية المراجعة كما يدعي الاتحاد الأوروبي لا تستغرق عامًا كاملاً.


إن جهود وزارة التنمية في رام الله محل تقدير واحترام؛ فهي تعمل من منطلق وطني ومسؤولية اجتماعية برغم الانقسام الذي تدفع ضريبته، والذي أثر على كافة نواحي عملها، بعدم عودة كامل موظفيها على رأس عملهم في الوزارات التي أحكمت عليها حركة حماس قبضتها بعد عام 2007، وباتت بيئة العمل معقدة في التواصل والرصد والمتابعة، إلا أنها لم تألوا جهدًا في الوقوف إلى جانب أبناء شعبنا في قطاع غزة.


عام 2019 عملت على تسليط الضوء على واقع العمل في برنامج شيكات الشؤون الاجتماعية لإنجاز تحقيق استقصائي وفي يدي معلومات مؤكدة من "البرنامج الوطني الفلسطيني للحماية الاجتماعية" التابع لوزارة التنمية الاجتماعية، والذي يضم كافة بيانات وتفاصيل الأسر المسجلة لشيكات الشؤون، بعد أن وصلتني شكاوي عن مواطنين يتقاضون مخصصات دون وجه حق، بحسب شهود العيان.


شكل ما سمعته من شهود عيان شرارة الانطلاق، للبحث عن أجوبة لأسئلة عدة أولها "من قام بالتسجيل لتلك الأسر ولماذا وكيف أصبحوا مستحقين، وما هي الطريقة؟"، لأكتشف أن الخوض في غمار البحث عن أجوبة لتلك الأسئلة ليس سهلاً؛ لكون أن من قاموا بذلك ضمن "حلقة ضيقة".


طرحت ما توصلت إليه على وكيل وزارة التنمية الاجتماعية في رام الله، داوود الديك، فأخبرني صراحة بأنه ليس لديهم أي دور رقابي على العاملين ببرنامج الحماية الاجتماعية بغزة؛ لكون أن الحكومة لا تمارس مهامها في القطاع، وقال لي: "نحن ليس لدينا رقابة على ما يحدث على الأرض.. نرى بيانات الأسر الفقيرة التي تصلنا من غزة عبر الحاسوب، ولدينا قلق من مدى دقتها.. وتصل الوزارة في رام الله عدد كبير من الشكاوى من غزة حول "التمييز في الاستهداف".


إن الخوض في غمار البحث في برنامج الحماية الاجتماعية لغز لا يفهمه إلا القائمون عليه، فجعل أسرة لا تستحق لمستحقة وتتقاضى نسبة مرتفعة تحتاج إلى توفر عدة معايير وتصنيفات لتدخل معادلة إلكترونية فتضمن أن تحظى بالاستحقاق، ولكل أسرة يوجد "مشرف حالة" وهو الشخص المسؤول الموكل من قبل الوزارة في رام الله ولديه صلاحيات العمل على البرنامج بالإدخال والتعديل على البيانات.


أجريت بحثًا ميدانيًا وحملت معلومات لبعض الأسر من برنامج الحماية الاجتماعية وعملت على مطابقتها مع ما هو موجود على أرض الواقع، فاتضحت الصورة أن الأسر التي عملت عليها ليست كما هي مصنفة "تحت خط الفقر الشديد" ولا تطبخ على النار وبيوتها عامرة بالماء والكهرباء، وما شكل صدمة أن المشرفين على تلك الحالات على صلة قرابة من الدرجة الأولى أو الثانية بتلك الأسر، بحسب الإفادات التي جمعتها، وبعضهم حين تقربت منه لسؤاله بكى خشية أن يفتضح أمره وطلبت من واسطات التدخل للملمة الموضوع حتى لو طلبت ما طلبت من الأموال لإسكاتي، وبعض الأسماء تهربت من مقابلتي خوفًا من قطع رواتبها من قبل الحكومة في رام الله.


مؤسف أن أقول بأن التحقيق الاستقصائي الذي أنجزته منتصف عام 2019 بدعم الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان"، وحمل عنوان: "شيكات الشؤون".. تلاعب في تسجيل الحالات و"الأقربون أولى بالمعروف"، لم ينشر حتى اللحظة؛ بفعل ضغوط مارستها وزارة التنمية في غزة ومعها جهات "أمنية" في إطار مناكفاتها مع الوزارة برام الله، وأُبلغت بمخاوف من إقدام الوزارة برام الله على وقف الشؤون عن غزة، فبحسب الجهات المعنية في غزة فإن تلك الخطوة في حال نفذت فإنها ستشكل عبئًا على الجهات المختصة في غزة وسنتخفض حجم الأموال التي تدخل إلى القطاع وبالتالي تتأثر حركة الاقتصاد.


4 عائلات من التي عملت عليها تلقت ما مجموعه أكثر من 166 ألف شيكل منذ العام 2011 وحتى دفعة 14/5/2019. وإن القانون الفلسطيني يجرم الواسطة والمحسوبية والمحاباة، وفي حال كان ذلك ثابتًا بحكم قضائي صادر عن محكمة مختصة، تعتبر هذه السلوكيات من جرائم الفساد، من أعمال وظيفته أو الامتناع عن القيام بعمل من أعمال وظيفته أو إخلاله بواجباته نتيجة رجاء أو توصية لاعتبارات غير مهنية  كالانتماء الحزبي أو العائلي أو الديني أو جهوي.


وفي حال أهدرت السلوكيات المرتبطة بالواسطة والمحاباة المال العام، فإن السلطة الوطنية ملزمة بإعادة هذه الأموال بحكم قضائي، والحد من تسربها، واتخاذ كافة التدابير القانونية اللازمة لحماية المال العام.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد