الشباب والثقافة تكرّم الفنان التشكيلي الراحل اسماعيل شموط
كرَّمت الهيئة العامة للشباب والثقافة، وجمعية الثقافة والفكر الحر، الفنان التشكيلي الراحل إسماعيل شموط، وذلك ضمن مشروع "عاش هنا"، الذي تسعى من خلاله إلى تخليد ذكرى عدد من القامات والرموز والمبدعين الذين ساهموا في إثراء الحركة الثقافية والفنية والفكرية الفلسطينية.
جاء ذلك خلال حفل أقيم في مقر جمعية الثقافة والفكر الحر في مدينة خانيونس، بحضور رئيس الهيئة الأستاذ أحمد محيسن، ومدير عام الفنون والتراث الأستاذ عاطف عسقول، ومدير عام الجمعية الأستاذة مريم زقوت، بالإضافة إلى أسرة الفنان، ولفيف من الفنانين والأدباء.
وفي كلمة له، أوضح محيسن أن مشروع عاش هنا يهدف إلى تكريم المبدعين الراحلين من أبناء الشعب الفلسطيني، تقديرًا لإسهاماتهم المؤثرة في العمل الوطني ودورهم الريادي في النهوض بالثقافة الفلسطينية ونشرها ونقلها إلى العالم، مشيرًا إلى أنه تم من خلال المرحلة الأولى من المشروع تكريم نخبة من الشخصيات الثقافية، من شعراء وأدباء وفنانين ومفكرين ومؤرخين من قطاع غزة .
وقال محيسن: "نحتفي اليوم بتكريم رائد من رواد حركة الفن التشكيلي الفلسطيني المعاصرة، وعُرف عنه ارتباطه الشديد بالقضايا الوطنية، حيث سلط الضوء من خلال أعماله الفنية التي انتشرت على مستوى العالم على هموم وأوجاع أبناء شعبه وجسد معاناة اللجوء والهجرة، والجرائم التي تعرض لها الفلسطينيون إبان النكبة وما تبعها"، لافتًا إلى أن عددًا من أعماله تحولت إلى أيقونات فنية للشعب الفلسطيني.
من جانبها، أشارت زقوت إلى أن الفنان شموط تميز بلوحاته الفنية التي عبرت عن الواقع الفلسطيني من خلال تجسيد حياة الفلسطينيين وحكايات القرى الفلسطينية، لافتة إلى أن أعماله الفنية تُعد خير مؤرخ وموثق للقضية الفلسطينية بمراحلها وتحولاتها المختلفة.
وفي ختام الحفل، تم إزاحة الستار عن لوحة مذهبة باسم "عاش هنا" تحمل اسم الراحل إسماعيل شموط وتاريخ ميلاده ووفاته، وضعت على مدخل المقر الرئيسي لجمعية الثقافة والفكر الحر.
يذكر أن الفنان شموط ولد في مدينة اللد، عام 1930، التحق في سنة 1936 بالمدرسة الابتدائية وبرزت مواهبه في الرسم منذ طفولته، وقد لاقى التشجيع والتوجيه من معلم الفنون في مدرسته داود زلاطيمو، الذي علمه أصول الرسم بأقلام الرصاص والحبر والطباشير واستعمال الألوان المائية، والنحت على الأحجار الكلسية.
استطاع بعد ذلك أن يقنع والده المتدين "بأن الرسم يمكن أن يكون مهنة تدر الربح"، وبدأ يزيّن فساتين العرائس، ثم افتتح لنفسه دكانًا كانت بمثابة مرسمه الأول، وقد أنجز لوحاته الزيتية من مناظر طبيعية وشخصيات قبيل النكبة (1948).
بعد احتلال مدينة اللد هجَّرته العصابات الصهيونية مع عائلته، وحُرموا من التزود بالماء وتوفي أخوه الصغير عطشًا قبل أن يصلوا إلى قرية نعلين قرب رام الله ، ثم لم تلبث العائلة أن واصلت نزوحها باتجاه قطاع غزة حتى استقرت في أولى الخيام التي أصبحت لاحقاً مخيم خانيونس، وثّق شموط رحلة النزوح والهجرة وما صاحبها من معاناة وصلت حد الموت تعبًا وعطشًا في عدة لوحات فنية في الخمسينيات من القرن الماضي.
عمل شموط بائعاً للكعك مدة عام ثم مدرسًا متطوعًا لتعليم الرسم في مدارس اللاجئين التي كانت عبارة عن خيام، الأمر الذي أتاح له أن يعاود التصوير وأن يعرض أعماله في إحدى غرف مدرسة خانيونس الحكومية عام 1950. التحق في العام نفسه بكلية الفنون الجميلة في جامعة القاهرة، وعاش على دخله من رسم ملصقات الأفلام السينمائية.
أقام أول معرض فني عام في عام 1953 في نادي الموظفين في مدينة غزة بعدما تجمع لديه عدد من اللوحات تكفي لإقامة معرض كبير، حيث قدم (60) لوحة فنية، وهو يُعد المعرض الفني التشكيلي الفلسطيني المعاصر الأول في تاريخ فلسطين لفنان فلسطيني على أرض فلسطين، سواء من حيث حجمه وعدد الأعمال التي احتواها، والطريقة التي عرضت بها الأعمال وشكل الافتتاح والإقبال الجماهيري.
في عام 1954، أقام معرض "اللاجئ الفلسطيني" في القاهرة بمشاركة الفنانة الفلسطينية تمام الأكحل والفنان الفلسطيني نهاد سباسي، تحت رعاية جمال عبد الناصر رئيس الوزراء المصري في ذلك الوقت، بعد ذلك سافر إلى إيطاليا وحصل هناك على منحة إيطالية ليدرس في أكاديمية الفنون الجميلة في روما Academia di Belle Arti خلال الفترة 1954-1956.
بعد انتهاء دراسته انتقل ليعيش في بيروت وعمل مع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( الأونروا )، وهناك أقام بالتعاون مع شقيقه مكتبًا للرسم التجاري وتصميم الكتب وأغلفتها، وكان منها كتاب "التنشئة الوطنية الإنسانية" وهو كتاب تعبوي من إصدارات الجيش اللبناني.
تزوج زميلته الفنانة تمام الأكحل في عام 1959، وترافقا في مسيرتهما الفنية والمهنية، فعملا في تدريب معلمي الفنون في بيروت و القدس والضفة الغربية وغزة، وأقاما معارض مشتركة فيها.
أسس قسم الفنون في منظمة التحرير الفلسطينية، وشارك في تأسيس اتحاد الفنانين التشكيليين الفلسطينيين، وانتُخب أمينًا عامًا له، كما انتُخب أول أمين عام لاتحاد الفنانين التشكيليين العرب.
أنجز إسماعيل شموط أعدادًا لا تحصى من الملصقات والأدبيات التعبوية والتراثية، ونظم مع الفنانة تمام الأكحل عشرات المعارض الشخصية المشتركة حول العالم، وشملت المدن التي عرضت فيها أعماله: غزة؛ القاهرة؛ القدس؛ رام الله؛ نابلس ؛ عمّان؛ طرابلس الغرب؛ دمشق؛ الكويت؛ لندن؛ بلغراد؛ صوفيا؛ بكين؛ فيينا؛ واشنطن و12 مدينة أميركية أخرى؛ وغيرها. كما نظّم معارض جداريات "السيرة والمسيرة" في: عمّان؛ أنقرة؛ إسطنبول؛ الدوحة؛ الشارقة؛ دبي؛ القاهرة؛ دمشق؛ حلب؛ بيروت. ومن أبرز أعماله إنشاء قاعة "دار الكرامة" في بيروت التي احتضنت المعارض الموسمية للفنانين الشباب من تجمعات اللاجئين الفلسطينيين، ومعارض التضامن العربية والعالمية.
في عام 1969 بادر مع عدد من الفنانين الفلسطينيين، إلى تأسيس أول اتحاد عام للفنانين التشكيليين الفلسطينيين وبقي أمينه العام حتى عام 1984، كما أسهم في تأسيس اتحاد عام للفنانين التشكيليين العرب في عام 1971، وكان أمينه العام الأول حتى عام 1984.
بعد اجتياح بيروت عام 1982 وخروج منظمة التحرير من لبنان، اضطر إلى النزوح مع عائلته إلى الكويت، وفي عام 1992 انتقل إلى ألمانيا، ثم استقر في العاصمة الأردنية عمان عام 1994.
حصل على عدة جوائز أهمها "درع الثورة للفنون والآداب"، و"وسام القدس للثقافة والفنون والآداب"، و"جائزة فلسطين للفنون" من منظمة التحرير الفلسطينية، و"جائزة الإبداع للفن التشكيلي العربي" من مؤسسة الفكر العربي، وهناك جائزة سنوية باسمه للإبداع في الفنون التشكيلية الفلسطينية، واقتنت أعماله عدة متاحف عربية وعالمية.
أخرج شموط عدة أفلام تستند إلى تجربته التصويرية، منها: فيلم "ذكريات ونار" عام 1973 الذي حاز جائزة الفيلم الوثائقي القصير في مهرجان لايبزيغ، ثم فيلم "النداء الملح" عام 1973، و "على طريق فلسطين" عام 1974، كما أنه ساهم في التأريخ للفنون التشكيلية والتراثية الفلسطينية ونشر عدة كتب وبحوث في هذا المجال.