أفترض أن يثور النقاش واسعاً، بشأن الدور التاريخي لبعض الجماعات الإسلاموية التي تنتسب إلى جماعة الإخوان المسلمين ذات البرنامج والمنهج الشمولي.
ثمة تجربتان حديثتا العهد، الأولى تتصل بالسياسات التي تتبناها «القائمة الموحدة» بزعامة منصور عباس، والأخرى تتصل بمدى صدقية التزام «حزب العدالة والتنمية»، في المغرب، إزاء موضوع الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي.
اختار منصور عباس الانشقاق عن الحركة الإسلامية العام 1996، وأصبح مسؤولاً عن جماعة الإخوان المسلمين في الجنوب.
لم تكن تلك هي المرة الأولى والأخيرة في منهج الانقسام، والانفصال عن الجماهير الفلسطينية وقضاياها القومية، فلقد عاد وانفصل عن «القائمة المشتركة»، التي كانت حصلت في الانتخابات قبل الأخيرة على خمسة عشر مقعداً.
الانقسام أدى إلى تراجع وزن الفلسطينيين في إسرائيل، إذ لم يصل الطرفان «الموحدة» و»المشتركة» إلى الحد الأدنى المتوقع وخسرا سوية خمسة مقاعد في الكنيست .
يدّعي منصور عباس، أن الانقسام له ما يبرره، حيث يحاول إدارة برنامج يؤدي إلى تحقيق تحسن ملحوظ في مكانة المدن والقرى والتجمعات العربية، والحصول على موازنات تطويرية، بما يؤدي إلى تحسين حياة الفلسطينيين.
قاده هذا الهدف إلى الانضمام لتحالف «كوكتيل» يجمع اليمين المتطرف إلى ما يسمى اليسار والوسط، بذريعة إسقاط نتنياهو، وإنهاء دوره السياسي ليتضح أن حكومة التغيير، هدفها فقط إسقاط نتنياهو، ومتابعة سياساته على نحو أكثر تطرفاً وعلى حساب البعد القومي لنضال الفلسطينيين سواء داخل إسرائيل، أو على النطاق الأوسع.
بعد مرور بضعة أشهر على تشكيل الحكومة، لم يحصل عباس أو الجماهير الفلسطينية على أي سياسات أو إجراءات أو قرارات، تحقق له ما وعد ناخبيه به. فيما يسجل على حسابه جملة من المواقف المخجلة، التي تضع حركته في خانة الطابور الخامس.
صمتت حركة منصور عباس، على كل ما ترتكبه إسرائيل من عمليات تطهير عرقي، وتهويد للمقدسات الفلسطينية وفي مقدمتها المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي بالإضافة إلى الإرهاب الذي يمارسه بكثافة الجيش الإسرائيلي وقطعان المستوطنين، وكذا تكثيف البناء الاستيطاني.
تحاول اسرائيل أن تقايض الحقوق السياسية، والمسار السياسي التفاوضي، بسياسة تحسين أوضاع الفلسطينيين في الضفة و غزة ، وتقوية أوضاع السلطة الفلسطينية، فيما تمارس على الأرض سياسات خطيرة جداً وذات أبعاد استراتيجية. لا ينطق منصور عباس وجماعته بكلمة. تتخذ الحكومة، قراراً خطيراً يسمح لليهود بأداء صلاة صامتة في باحات المسجد الأقصى ولا تنبس جماعة عباس ببنت شفة.
تعلن الحكومة التي تشارك فيها جماعة منصور عباس، عن مخططات استيطانية ذات أبعاد استراتيجية في منطقة قلنديا ومحيطها ولا تنبس جماعة منصور عباس ببنت شفة.
الإدارة الأميركية أعربت عن قلقها من القرارات الاستيطانية، وطالبت اسرائيل بالتوقف عن توسيع الاستيطان ولكن جماعة منصور عباس تلوذ بالصمت. يعلن لابيد وقبله نفتالي بينيت رفضهما لمقابلة الرئيس محمود عباس ، واستحالة إقامة سلام على أساس رؤية الدولتين، ولا يشعر منصور عباس وجماعته بالخجل.
أخيراً، تسقط جماعة منصور عباس مشروع قانون قدمه أحد أعضاء الكنيست من الليكود، يقضي بتعليم اللغة العربية في المدارس الإسرائيلية. وقبل ذلك تصوت الجماعة ضد مشروع قرار يقضي بإنصاف المستقلين، ما يضرب مصالح الجمهور الفلسطيني وهو الأكثر تضرراً من الإجراءات التي فرضتها جائحة « كورونا ».
يزاود عضو الليكود على أعضاء «القائمة العربية الموحدة» بعد رفضها لمشروع القانون، فيقول وباللغة العربية: «لا توجد حركة إسرائيلية بالعالم تصوت ضد اللغة العربية لغة القرآن الكريم».
لا يشعر أعضاء «القائمة العربية» بالخجل، فهم ملتزمون بالاتفاق الذي وقعوا عليه، مع أحزاب الائتلاف، الذي يمنع التصويت خارج اتفاق الائتلاف حتى لو كان الأمر يتصل بقضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
يبدو أن المكاسب الحزبية إن كان هناك مكاسب على حساب القضية الوطنية وحتى الحقوق الاجتماعية والإنسانية للجمهور الذي يدعي منصور عباس أنه يمثله.
الحركة الإسلامية الجنوبية، تموضعت ضمن جوقة اليمين الإسرائيلي المتطرف وكذلك الحال لما يسمى اليسار والوسط. لا يحاول منصور عباس وجماعته قراءة التجربة التي تعرض لها حزب «العدالة والتنمية» في المغرب.
ثمة فشل ذريع يصيب تجربة حزب «العدالة والتنمية» المغربي، وهو فرع الإخوان المسلمين بعد عشر سنوات في الحكم. ولكن لا أحد ينكر أن موقف الحزب من مسألة تطبيع المغرب مع إسرائيل، كانت واحدة من أسباب تراجع شعبيته.
لا يمكن الجمع بين سياسة كلامية تعلن الالتزام بالحقوق الوطنية الفلسطينية وسياسة عملية، ت فتح الطريق واسعاً أمام تطبيع العلاقات مع اسرائيل.
كان الثمن الذي دفعه الحزب باهظاً فلقد حصل في الانتخابات الأخيرة على ثلاثة عشر مقعداً، بعد أن كان يحظى بمئة وخمسة وعشرين مقعداً في البرلمان السابق.
انهيار خطير تعرض له حزب «العدالة والتنمية» المغربي، والأرجح أن يواجه منصور عباس المصير ذاته، المهم أن القيادة الدولية لجماعة الإخوان المسلمين تفضل الصمت عن هذه السياسات، ما يعني أنها لا تعارضها، ما يضع الجماعة وجهاً لوجه أمام تناقض خطير بين برامجها وسياساتها النظرية، ودورها واستعداداتها العملية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد