إن أحداث مدينة الخليل الأخيرة والتي لا زالت قائمة "الطوشة بين عشيرتي الجعبري والعويوي" أثبتت أننا في دولة العشائر وليس في دولة القانون كما نسمع في الخطابات السياسية الرنانة , وليس هذا إشارة الى ضعف القانون أو الأجهزة الأمنية في الضفة , ولكن في إشارة الى تعزيز سلوك العشائر والغير منضبط من قبل أصحاب القرار والجهات المعنية بذلك , والمتمثل في إدارة حل الخلاف بين العشيرتين عشائريا وبعيداً عن القانون , وليت هذا فحسب , بل وإن هناك إهتماماً زائداً بدور العشائر على حساب القانون , حيث توجهت كل رؤوس قبائل وعشائر الضفة الغربية والنقب والسبع , ووصل الأمر الى أن يتوجه وفد عشائري من الأردن , وكل هذا من أجل حل خلاف بين عشيرتين , والمستفز بالأمر هو أن الوفود لم تحل الخلاف , بل تتوسل من كبار العشيرتين "الجعبري والعويوي" بأن لا يخرجوا الى الشوارع بالسلاح ليقتلوا ويحرقوا ويدمروا وينشرون الفوضى والفلتان الأمني , ولا يقف الأمر الى حد العشائر بل وإنه تطور ليصبح إستعراضاً سياسياً , حيث إتصل رئيس حماس إسماعيل هنية بالعشيرتين , وإتصل أمين عام الجهاد الإسلامي زياد النخالة بالعشيرتين أيضاً , وهناك لجنة عشائرية مكلفة من الرئيس أيضاً , وهناك إحتمام أن تتدخل الأمم المتحدة في طوشة "الجعبري والعويوي" وأن تطلب منهما عدم النزول الى الشوارع وإتلاف الممتلكات العامة ونشر الفلتان الأمني , ونشر الرعب بين المواطنين.. لماذا كل هذا ولصالح من ! .

بالتأكيد أن النسيج الإجتماعي الفلسطيني يتكون من قبائل وعشائر , ولا ينكر أحد أن هذا موروث قديم , له ما له وعليه ما عليه , ولا ينكر أحد بعض الإيجابيات لهذا الموروث , ولكن ما ننكره هو تعزيز وتقوية العادات السيئة في هذا الموروث , وليس فقط عادات سيئة بل وإنها مخالفة للشريعة الإسلامية , وخاصة الحلول التي تفرق بين القوي والضعيف ولا تنصف الضعيف , وما يترتب عليها من بروتوكولات غريبة ليس لها علاقة بالأخلاق ولا الدين , فمثلاً : العائلة القوية تطلب من العائلة الضعيفة أن ترفع الراية البيضاء وهي في طريقها للديوان من أجل أن تتأسف , وهذا يتم وسط طقوس غريبة ومتخلفة ومستفزة لأفراد العائلة الضعيفة , بالإضافة الى بعض الشروط التي تفرضها العائلة القوية على العائلة الضعيفة في جلسة حل النزاع , كمنعهم من التجول في الشارع و فتح محلاتهم التجارية وممارسة حياتهم اليومية , وزد على ذلك أن بعض العائلات لا تكتفي بقتل القاتل , بل تقتل شخص من العائلة الأخرى لا علاقة له بالطوشة , وهذا السلوك الهمجي بالطبع لا علاقة له بالدين والإسلام , لقوله تعالى "لا تزر وازرة وزر أخرى"صدق الله العظيم .

والمشكلة أن كل هذه التجاوزات الغير أخلاقية والغير دينية والتي تقوم بها العشائر وما يسمون برجال الإصلاح , هي تحت إشراف الدولة ومؤسسات الدولة , وتحت رعاية الأحزاب السياسية أيضاً , وكأنهم معنيون بتقوية هذه العشائر على حساب القانون , مع أن حكم القانون أسمى وأرقى وأرحم بكثير من حكم العشائر , فعلى الأقل القانون لا يقتل شقيق القاتل كما تفعل العشائر , والقانون لا يعاقب كل العشيرة بسبب خطأ شخص بعينه كما تفعل العشائر , والقانون لا يتوسل المتنازعين "أصحاب الطوشة" كي لا يخرجوا الى الشوارع ويحرقوا ويدمروا ويخربوا كما تفعل العشائر , فالقانون يفرض نفسه على الجميع , ويفرض النظام في الشوارع ويمنع التخريب , ولا يميل لفلان على حساب فلان كما يفعلون رجال الإصلاح , ويعاقب الجاني ويحمي أقاربه , ويعيد الحق لدوي المجني عليه دون أن ينشروا الفوضى في الشوارع العامة .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد