"إنني أعترف الآن/ لقد رأيتهم/ إني رأيت القتلة/ مروا على عيني/ وكانوا يصخبون كالطيور الجارحة/ كانوا قضاة يحملون الأسلحة" هكذا يستمر مسلسل الاعتراف عن واقعنا العربي المرير، يقدمه الشاعر السوداني الكبير محمد الفيتوري، والذي قضى الشهر الماضي بالمغرب بعد أن عاش لاجئاً هناك بعد سحب الجنسية السودانية منه في عهد الرئيس النميري لأن أوطاننا صارت ملكاً لرؤساء وزعماء وملوك وصرنا فيها خدماً.
شاعرنا الراحل محمد الفيتوري والملقب بشاعر إفريقيا والعروبة، قدم للمشهد الشعري العربي الكثير الكثير من الأعمال الشعرية التي امتازت بالشعر الحر الحديث في عصر الرتابة والتقليد. كان يستشرف مستقبل المنطقة، فيتحدث عن هزائمنا وعن واقعنا المرير، يتحدث عن فلسطين التي لا تنفعها الكلمات حين يقول: "والعدو يضاجع تاريخكم/ ويبارك حرب أغانيكم الوطنية/ إن جرح فلسطين ليست تضمده الكلمات/ وعار جزيران/ تغسل عار حزيران معركة القادسية".
الفيتوري –رحمه الله- قدم العشرات من الدواوين الشعرية للمشهد الثقافي والأدبي العربي، أهم تلك الدواوين: اذكريني حين تمر الخيل، أغاني إفريقيا، عاشق من إفريقيا، البطل والثورة والمشنقة، وشرق الشمس غرب القمر.
ومن محمد الفيتوري إلى الشاعر الشعبي الكبير، الخال عبد الرحمن الأبنودي، الذي قضى قبل الفيتوري بأيام، وهو أحد أهم شعراء العامية في مصر والوطن العربي. الأبنودي الذي جمع السيرة الهلالية من كل صعيد مصر ووضعها في كتاب، ثم نشر كتاب أيامي الحلوة الذي كان عبارة عن ثلاثة أجزاء يتحدث فيها عن حكايات متعددة عن مصر وما يجري فيها، بعامية جعلت من كلامه أغاني يسردها ويغنيها المصريين وغيرهم أمثال عبد الحليم حافظ ومحمد رشدي وفايزة أحمد وصباح ووردة الجزائرية وغيرهم الكثير. الخال صدر له العديد من الدواوين الشعرية، أهمها: الأرض والعيال، الزحمة، أنا والناس، المشروع والممنوع، الأحزان العادية، السيرة الهلالية (التي قام بجمعها)، الموت على الإسفلت.
ومن الخال في الكنانة إلى ألمانيا، حيث توفي الشهر المنصرم الروائي العالمي الكبير غونتر غراس، ذلك الرجل الذي أعلن معاداته لدولة الكيان حتى ثارت ثائرة تلك الدولة اللقيطة واعتبرته معادياً للسامية وحرضت العالم عليه ثم منعته من دخول أراضيها.
غراس الذي اكتسب تجربة حياة مريرة بعد مشاركته بالحرب العالمية الثانية كمساعد لسلاح الطيران الألماني، والذي تم أسره على يد الأمريكان عام 1946 ثم أطلق سراحه في ذات العام، هو أحد أبرز وألمع كتاب ألمانيا اليوم. وقد حاز على جائزة نوبل عام 1999 عن دوره في إثراء الأدب العالمي.
غراس كتب في قصيدته ما ينبغي أن يقال، فصارت أيقونة لكل الأحرار، أقتطف منها :" لماذا ألوذ أنا بالصمت, وأخبئ طويلا بين ضلوعي ما هو ساطع كعين الشمس وقابل لانعكاس على مقلتي." فإذا كان غراس قد قضى اليوم لكن موقفه الأخلاقي ضد إسرائيل لم ولن يموت.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية