الحالة الفلسطينية تصيب المرء بالذهول وتكرار تجاربهم والمشهد المكرر فيما يتعلق باعادة الاعمار جراء العدوان الاسرائيلي المستمر والانقسام السياسي، والحصار الرهيب المفروض على قطاع غزة ودورات العدوان المتكررة خلال عقد ونصف من الزمن، وما قامت به إسرائيل من جرائم حرب وتدمير القطاع.


وما يعانيه الضحايا الفلسطينيين اللذين دمرت منازلهم وفقدوا جميع ممتلكاتهم، وما يدفعونه من ثمن جراء الانقسام والخلاف على المسؤولية عن إعادة الإعمار، ويراقبون بألم وحسرة وغضب استمرار احتدام الخلاف والجدل الدائر حول من يتولى مهمة إعمار غزة، التي قد تستمر طويلاً، فيما لا يزال الالاف منهم بلا مأوى في ظل أحوال قاسية جداً.


ويشكك هؤلاء في نوايا الطرفين بالوصول لاتفاق من خلال ما يجري على الأرض من مشاحنات واتهامات متبادلة وتخوين كل طرف للأخر وافتقاده  للنزاهة والشفافية، خاصة في تولي عملية الأعمار، ومحاولة كل منهما تثبيت شرعيته على حساب ضحايا الغزيين والضحايا المتضررين.


والشروط الاسرائيلية والامريكية بان مسؤولية الاعمار بان اعادة الاعمار مهمة للسلطة الفلسطينية التي تتشبث بذلك الملف لتعيد الاعتبار لذاتها، والتصريحات الصادرة عن السلطة التي تعمل جاهدة على الاستفراد بعملية الاعمار، وتعتبر استجابة للشروط والاملاءات الاسرائيلية، لتقوية السلطة الفلسطينية بصفتها تمثل التيار المعتدل في فلسطين!


أول أمس صدر تقرير بالشراكة بين مجموعة البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لبنك الدولي تقريرا بعنوان إعادة بناء غزة في خضم ظروف قاسية: الأضرار والخسائر والاحتياجات: حول حجم الخسائر التي لحقت بالقطاع والتي بلغت قيمتها نجو نصف مليار دولار، وحدد التقرير احتياجات التعافي وإعادة الإعمار الفورية والقصيرة المدى (خلال الـ 24 شهرًا الأولى) والتي تقدر ما بين 345 - 485 مليون دولار، منها 125 إلى 195 مليون دولار على المدى القريب (من الآن حتى نهاية عام 2021)، و220 إلى 290 مليون دولار على المدى القصير (من 6 إلى 24 شهراً).


وتشمل احتياجات التعافي العاجلة تقديم المساعدة النقدية لحوالي 45 ألف شخص ضمن المساعدة الغذائية وغير الغذائية، وتوفير 20 ألف فرصة عمل إضافية بدوام كامل لمدة 12 شهراً، وإعطاء الأولوية لإسكان أكثر من 4000 شخص تعرضت مساكنهم للتدمير أو لأضرار جزئية، وكانت تضم بين جنباتها نحو 7000 طفل لدى الأسر التي فقدت تلك المساكن.


الفلسطينيون أمام مرحلة في غاية الحساسية، حيث توقفت الجولة العسكرية الاخيرة على قطاع غزة ولم يتوقف العدوان والقتل، وتحاول اسرائيل اكمال ما لم تستطع تدميره بتشديد الحصار والعقوبات الجماعية التي طالت حياة الفلسطينيين وازدادة حالتهم قسوة، ولا تزال تواصل الحرب على غزة لكسب ما فشلت في الوصول إليه بالصواريخ والقتل والتدمير.


وهي تحاول تشديد الخناق والحصار على غزة، وتسعى إلى وضع شروط  جديدة لصالحها وللسماح بإعمار ما دمرته، وتقييد إدخال مواد البناء وتلبية الحد الادنى من الحاجات الانسانية، وفقا لما صرح وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس عن استمرار الحرب.


يعاني الفلسطينيين في القطاع من آثار العدوان الحربي الاسرائيلي وارتكاب جرائم بحق الفلسطينيين، ومحاولة دولة الاحتلال التنصل من مسؤولياتها عن طريق تشديد الحصار على القطاع وابتزاز الفلسطينيين بفرض شروط على عملية اعادة الاعمار. ووضع ملف تبادل أسرى بشروط إسرائيلية، كموضوع رئيسي في هذه المحادثات، مع حركة حماس بوساطة مصرية حول تسوية تخدم مصالحها وتهدئة بشروطها، مع انها تعلم بشكل واضح أن حماس ستعارض. فقد كانت هذه ذريعة لابتزاز المقاومة وزيادة معاناة الفلسطينيين في القطاع. 


وتحاول اسرائيل الهروب والتنصل من مسؤولياتها القانونية، وتعمل على ازاحة ملف غزة ومشكلاتها باتجاه مصر بتوريطها ليس فقط باعادة الاعمار انما المسؤولية عن كل احوال غزة والحصار الاسرائيلي الرهيب المفروض على القطاع، وفك اسرائيل ارتباطها به وتعبات ذلك القانونية.


وهذا يتطلب من الفلسطييين تجنيب إعادة الاعمار الخلافات الداخلية بينهم ومن الذي سيدير الاعمار واتخاذ موقفا  أكثر جدية من مختلف الأطراف والعمل على وضع خطة وطنية، لا تقتصر على إعادة إعمار ما دمره الاحتلال الاسرائيلي خلال الـ11 يوما. إنما تداعيات الحصار ودورات العدوان الساببقة وسنوات من المعاناة والعدوان والحصار وتداعيات ذلك الاقتصادية والاجتماعية والانسانية والنفسية وانعكاسها على مختلف مناحي الحياة والتي مست جميع القطاعات وأبعادها الخطيرة على المجتمع الفلسطيني ومناعته وصموده.


المطلوب عملية إعمار شاملة متكاملة وعلى قاعدة الشراكة. وفقا لمعلومات وزارة الاسكان والاشغال العامة في غزة أن هناك عجز 500 مليون دولار لم تسدد من تعهدات الدول  المانحة على اثر العدوان الإسرائيلي عام 2014، وأن نحو 3000 وحدة سكنية لم يتم بناؤها. 
وللخروج من هذه الأزمة فإن تشكيل هيئة وطنية عليا تشارك فيها كل الأطراف المعنية في المجتمع الفلسطيني لإعادة الأعمار، يصبح مطلباً ملحاً وضرورياً اليوم قبل الغد.


إن عملية إعمار غزة تحتاج إلى كل الجهود، ولا يستطيع أحد أن يستثني أي طرف، ومن المهم أن يعرف الفلسطينيين ماذا يريدون، وماذا تريد إسرائيل، وما يراه العالم، والنظر لما حققه الفلسطييين سواء في غزة والضفة و القدس أو الداخل الفلسطيني بموضوعية بعيدا عن التهويل والتهوين، فموازين القوى لم تتغير واسرائيل لا تزال قوية ومدعومة امريكيا واوروبيا. لكنها ليست غول يستطيع افتراس الفلسطينيين وهي تحاول، ولكنها لم تستطع.


 في ضوء ذلك يتحمل الفلسطينيين مسؤولية عن ما وصلت اليه احوالهم واستمار الانقسام وترهل نظامهم ومؤسساتهم، ولا توجد بشائر على المدى القريب بالوحدة، وتبقى الخشية قائمة من ما يجري من انتهاكات في الضفة الغربية وشيطنة للمقاونة، وعدم تعزيز صمود الشعب الفلسطيني وتعزيز المقاومة الشعبية. 


وعدم متابعة التعاطف الدولي، وتوظيف واستثمار ذلك وطنيا ودوليا، وهذا مرتبط بالارادة الفلسطينية واعادة بناء النظام الفلسطيني وإذا ما تمكنت من تحقيق الوحدة، قد تتمكن من افشال الاهداف الإسرائيلية تجاه القدس والضفة وغزة وفلسطيني الداخل ومواجهة مخططات نظام الفصل العنصري والتصدي للحرب على غزة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد