ضاعت الأحلام وزهوة الانتصار، وبات حي الشيخ جراح لوحده، و غزة تبكي على فراق أحبابها، ولا زالت في مرحلة التعافي من صدمة العدوان الاسرائيلي الأخير عليها، تلملم جراحها وتُزيل ركام المعركة، وتسعى لاستعادة أنفاسها بعد نفض غُبار المعركة، من خلال جهود مصرية خالصة لرأب الصدع بين الفرقاء الفلسطينيين الذين تتلمذوا على يد الانقسام، وأصبحوا عُصبة تتسيد نفسها بحثاً عن مكاسب سياسية ومصالح حزبية تُزين بها وجوههم أمام كاميرات التلفزيون.
ما أن تم الاعلان عن فشل عقد حوار في القاهرة بين الفصائل الفلسطينية، لبحث سُبل التوصل إلى حل يُنهي الانقسام، أو يبحث في اعادة اعمار غزة، أو يحدد شكل حكومة الوحدة الوطنية، أو يسعى لإصلاح النظام السياسي المهترئ، أو اعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطيني كي تكون البيت الجامع للكل الفلسطيني في مواجهة مخاطر محدقة ومتربصة بالقضية الفلسطينية، فقد بات واضحاً أن هناك من يبحث في أروقة غرفة المغلقة عن الطريقة الملائمة لإفشال الجهود المصرية في استكمال دورها الاقليمي في الشرق الأوسط، وبث الطمأنينة والهدوء في قطاع غزة، بعد العدوان الأخير على القطاع، فلا سبيل للوحدة الوطنية الفلسطينية في ظل مستثمري الانقسام وصائدي الجوائز من خلفاء اتفاق اوسلو.
في الأفق يبدو هناك رابح كبير من توقف الجهود المصرية عند هذا الفشل، وكالعادة من يدفع ثمن الفشل سكان قطاع غزة، وكأن الظلم حصر نفسه لسكان القطاع فقط، فالجهود المصرية خلال مرحلة العدوان على قطاع غزة، انتجت وقفاً لإطلاق النار رغم هشاشته التي لم تلتزم به اسرائيل سواء في الشيخ جراح أو سلوان أو العقُبات المفروضة على قطاع غزة من حصار اسرائيلي متواصل بمنع ادخال بعض السلع الغذائية والأساسية وتقليص مساحة الصيد، واستمرار حملات الاعتقال والمداهمة في مدينة القدس .
ما تريده اسرائيل هو ما حققته الفصائل الفلسطينية باختلافها على برنامج الحوار الوطني في القاهرة، وهي تُدرك جيداً أن حجم الخلاف الفلسطيني يعجز عن حله عباقرة السياسة والمال، لإدراكهم بتبعية وانحياز الفئوية الفلسطينية لمصالحها الخاصة على حساب المشروع الوطني الفلسطيني، ولحجم الضغط الاقليمي المرتبط بمصالحهم في المنطقة وخارجها، ففكرة انشاء حكومة وحدة وطنية تجمع جميع الفصائل فكرة قديمة لم يتم تحديثها منذ العام 2007م وقد فشلت بعد توقيع اتفاق مكة بين الفرقاء في فتح و حماس ، ولكن ماذا عن توحيد الشعب الفلسطيني أمام صندوق الانتخابات لاختيار من يمثلهم ويكونوا هم شركاء في اتخاذ القرار الذي يساعدهم على تخطي هذه المرحلة السياسية الحرجة التي تمر بها القضية الفلسطينية في ظل تعنت اسرائيلي وامريكي، وصمت اوروبي، وتخاذل عربي، وتشرذم الموقف الوطني الفلسطيني الموحد؟
منذ 15 عاماً تصمت القاهرة عن تحميل أي فصيل فلسطيني سبب فشل الحوارات ولا تُحمل طرف على حساب طرف المسئولية عن ذلك، لإدراكها أهميتهم وقدراتهم وحقوقهم في المشاركة السياسية، والمشاركة في اتخاذ القرار الوطني الفلسطيني، بما يضمن تحقيق رغبة كل مواطن فلسطيني بدولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس.
ولكن ماذا لو خرج المصريين عن صمتهم وأعلنوا عن الطرف المُعطل لتلك الحوارات، لذا لن تسمح مصر بأن يتم افشال جهودها وستمنح الفرصة من جديد لأرباب السياسة الفلسطينية والمتحزبين منهم إلى مراجعة أنفسهم مراراً وتكراراً لعلهم ينجحون في تقريب وجهات النظر من جديد، كي تتظافر الجهود مع حجم التضحيات المبذولة على الأرض.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية