كيف كان المهندس الغزّي لؤي البسيوني جزءاً من مشروع ناسا باقلاع طائرة للمريخ

المهندس لؤي البسيوني

أجرت قناة الجزيرة، اليوم السبت، حواراً مع المهندس الغزّي لؤي البسيوني، الذي انتقل قبيل أعوام للولايات المتحدة الأمريكية، تحديداً في مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا؛ بهدف الدراسة الجامعية، والتي جعلته الآن مُشاركاً بالحدث الغير مسبوق الذي نجحت فيه وكالة ناسا الفضائية بإطلاق أول طائرة مروحية مصغرة فوق سطح المريخ. 

وقال البسيوني خلال الحوار أن سنوات النشأة في قطاع غزة والدراسة في مدارس وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، كانت محطة مهمة في تشكيل وعيه، ففي العام الدراسي الرابع من المدرسة الابتدائية اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ويقول البسيوني إن المدارس كانت تغلق بصورة متكررة، وإنه كان يدوّن في "نوتة" صغيرة عدد الأيام التي لا يذهب فيها للمدرسة، وأحصى 79 يوما مدرسيا في هذا العام فقط. 

وأكد البسيوني للجزيرة نت أن نشأته في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، ومعاصرته للانتفاضة الأولى (1987-1993) "تركتني مع درس مهم، فقد تعلمت منذ الصغر ألا أستسلم أبدا وأن أستمر في الحلم والتطلع للأفضل، والعمل على تحقيقه". 

وذكر البسيوني أن والده يعمل طبيبا، وقد تلقى تدريبا وتعليما في ألمانيا، وبعد عودته للعمل في القطاع، انخرط كغيره من الفلسطينيين في الشأن السياسي، واعتقلته قوات الاحتلال، وسحبت جواز سفره، ثم جرف الاحتلال الإسرائيلي بساتين والده المزروعة بالزيتون والفواكه، ولعجز الأب عن إرسال أي مصروف له، تم تعليق دراسته عاما كاملا. 

وبقيت ذكريات الأحداث الكبرى والمظاهرات عالقة في ذهن البسيوني الطفل، ولم تغادره حتى بعد انتقاله للولايات المتحدة وبدء مساره العلمي الرفيع.

ونوه البسيوني إلى أنه لم يتمكن من زيارة قطاع غزة إلا في عام 2000، ولم يتسن له لقاء عائلته لمدة 11 عاما بين عامي 2000 و2011، عندما التقوا جميعا في ألمانيا.

حصل البسيوني على منحة جزئية للدراسة في إحدى جامعات ولاية بنسلفانيا عام 1998، ثم انتقل لولاية كنتاكي حيث درس هندسة الكهرباء. 

ورغم مواجهته صعوبات كثيرة عند قدومه للولايات المتحدة، فإن تجربة الغربة والاعتماد على النفس كانت شديدة الفائدة له على المستوى الشخصي والعملي أيضا. 

وأثناء الدراسة كان لؤي يعمل في توصيل البيتزا، ويعمل في بعض الأيام أكثر من 15 ساعة لتوفير نفقات الحياة. 

ووقعت أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 أثناء فترة دراسته، وانعكست تداعيات الحادث عليه لكونه طالبا عربيا، فضلا عن الاحترازات الأمنية التي استهدفت العرب، كما أثرت على دراسته الجامعية. 

يقول البسيوني عن هذه الفترة "كانت الحياة بعد 11 سبتمبر غاية في الصعوبة، ولم أتمكن من دفع رسوم الدراسة، ولم يتمكن والدي من المساعدة على الإطلاق، لأن إسرائيل جرفت بساتين البرتقال والزيتون الخاصة بالعائلة". 

وذكر أنه اضطر تحت وطأة نقص الموارد المالية لتعليق سنته الثانية من دراسة الهندسة في الجامعة، والتركيز على العمل لادخار مصروفات الدراسة والمعيشة للفترة القادمة. 

وقد استطاع إنهاء دراسته الجامعية الأساسية عام 2002، وحصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة، ثم انتظم في الدراسات العليا وحصل على درجة الماجستير في الهندسة الكهربائية من جامعة لويفيل عام 2004. 

ويتذكر لؤي مساعدة عدد من الأساتذة العرب له، ويقول إن "الفضل يعود لهم في دعمي تعليميا، كما ساعدوني ماليا في بعض الحالات"، مثل الدكتور إبراهيم الإمام، وقد عبّر البسيوني كذلك عن امتنانه للدعم الذي تلقاه من الدكتور عادل المغربي.

وأضاف لؤي أنه في عام 2012، انضم إلى شركة تعمل على تصميم طائرة كهربائية، وانتهى به المطاف في العمل لدى وكالة ناسا في تصميم الطائرة العمودية الخاصة بالطيران في كوكب المريخ، حيث حصل على عدد من الجوائز التقديرية. 

ثم لعب البسيوني الدور الرئيسي ضمن فريق تصميم الطائرة المروحية، خاصة ما يتعلق بمواد الرصاص الكهربائي والألياف الكربونية التي تدخل في صناعة هيكل الطائرة. كذلك لعب الدور الرئيسي في تصميم المحرك ومحرك الخادم، وواجهة الكهرباء والأسلاك، وساعد في خوارزمية العاكس التي تتحكم في المحرك داخل المروحية عن بعد. 

وترق البسيوني خلال الحوار إلى الصعوبات والتحديات التي واجهت عمليات التصميم والاختبار، خاصة فيما يتعلق بحتمية توفير بيئة مشابهة لبيئة كوكب المريح على سطح الأرض لتجريب الطائرة، تتوافر فيها الظروف البيئية خاصة التعرض للإشعاع. 

وتحدث عن كيفية التحكم في الطائرة من على بعد ملايين الكيلومترات، وذكر أن "التواصل مع الطائرة وتصوير لحظات طيرانها، كان أمرا مدهشا حقا". 

وأشار إلى أنه هناك اختلافات كبيرة جدا بين الطيران داخل المجال الجوي لكوكب الأرض، ونظيره في كوكب المريخ، وتحتاج الطائرة للطيران فوق سطح المريخ إلى مواصفات غير اعتيادية. 

وتم تصميم الطائرة لتعمل بالطاقة الكهربائية، على أن تتحمل نسبة هواء ومعدلات ضغط مختلفة تماما عن تلك الموجودة فوق سطح كوكب الأرض. وذكر أن نسبة الضغط على سطح كوكب المريخ تبلغ 1% فقط من الضغط الموجود في كوكب الأرض، وأن هناك تعرضا لإشعاعات لا نظير لها في الأرض، وعليه كان حتما أخذ هذه الاعتبارات في التصميم، إذ تمتعت الطائرة بقوة فائقة أكثر بعشرات المرات من مثيلاتها التقليدية. 

وأكد أن النتائج الهندسية لعملية التحكم عن بعد بطائرة من كوكب آخر لا يمكن حصرها، وأضاف "ما كنا نفترضه في السابق، أصبح واقعا الآن، سنستطيع تطوير مروحيات يمكنها التحليق في ارتفاعات أعلى مما هي عليه الآن". 

وختم لؤي البسيوني حواره مع الجزيرة، بالتأكيد على أن وصفة النجاح تعتمد ابتداء على "عمل ما تحب، وأن تحب ما تعمله"، ويقول "أنا مهتم بشدة بالطاقة البديلة، وأسعى لتغيير واسع وإحلال مصادر الطاقة النظيفة والبديلة محل المصادر التقليدية للطاقة وأنا بصدد تأسيس شركتي الخاصة، وفي مرحلة اللقاء مع مستثمرين جادين لتطوير تقنيات الطاقة الشمسية والكهربائية الممكن استخدامهما في الكثير من التطبيقات العملية". 

يُذكر أن وكالة ناسا أطلقت طائرة مروحية مصغرة فوق سطح كوكب المريخ، وهي أول رحلة لطائرة تعمل بالطاقة الكهربائية، ويتم التحكم بها من كوكب آخر يبعد عنها بحوالي 225 مليون كيلومتر، حيث وصلت المركبة الفضائية بريسيفيرانس (Perseverance) إلى كوكب المريخ حاملة مروحية صغيرة أُطلِق عليها اسم "إنجينوتي" (Ingenuity)، وقد تمكنت من الطيران عليه مدة 40 ثانية.

المصدر : الجزيرة نت

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد