لا يوجد أدنى شك أن خسارة حركة «فتح» لانتخابات مجلس الطلاب في جامعة بيرزيت لصالح حركة « حماس » تمثل ضربة قاسية ومؤلمة للحركة، ليس فقط لأن الجامعة معقل مهم للحركة منذ فترة طويلة او لأن الفارق بين ما حصلت عليه حركة «حماس» بالمقارنة مع «فتح» هو كبير نسبياً ومثل انتصاراً مهماً لـ «حماس» ٢٦ مقابل ١٩، بل وكذلك لأن نصر «حماس» جاء في الوقت الذي من المفروض أن تخسر فيه في جبهات عديدة على ضوء تراجع مشروعها محلياً وتراجع مشروع «الإخوان المسلمين» إقليمياً، على غرار خسارة «حماس» لانتخابات نقابة المحامين في قطاع غزة التي حصدت حركة «فتح» كل مقاعدها.
يبدو أن هناك عوامل عديدة لإخفاق كتلة الشبيبة الفتحاوية في هذه الانتخابات، منها ان «فتح» تمثل السلطة في الضفة الغربية وتتحمل جميع أوزارها بحق او بدونه، ودائماً تكون المعارضة للسلطة في وضع قوي ولكن ليس بالضرورة للفوز بفارق كبير، وأيضاً لأن «فتح» تتذكر الجامعة في فترة الانتخابات ولا تعمل على مدار العام في أوساط الطلاب لكي تشكل قاعدة جماهيرية ثابتة وراسخة، ولوجود خلافات في صفوف الحركة على مستوى اللجنة المركزية وعلى مستوى الجسم الطلابي، الأمر الذي عكس نفسه على اختيار المشرفين في مواقع مختلفة ولم يكونوا مقبولين من القاعدة الطلابية او من قسم منها على الأقل. وربما أيضاً لفشل المناظرة الطلابية التي قد لا تكون نجحت في اختيار الموضوعات التي تهم الطلبة اكثر من غيرها او لأن طريقة التعاطي مع هذه الهموم لم تكن موفقة، ويمكن تعداد أشياء كثيرة قد تكون ساهمت بطريقة او أُخرى في إخفاق «فتح». ولكن الانتخابات مع ذلك كانت درساً مهماً لكل الفلسطينيين من جوانب عديدة.
أولاً ، تكريس العملية الانتخابية في الجامعات لما لها من أهمية في تعليم جيل الشباب قيم الديمقراطية والاحتكام الى صندوق الانتخابات في تقرير من يتولى الحكم وهنا ليس الحكم بمفهومه العام وإنما الإدارة النقابية. ويسجل لحركة «فتح» هنا انها اعترفت بالهزيمة وهنأت «حماس» بالفوز ولم تحاول التنغيص على «حماس» كما فعلت الأخيرة عندما فازت «فتح» في غزة. وهذا لا شك نموذج يحترم في التعاطي مع نتائج العملية الديمقراطية بغض النظر عن الربح او الخسارة.
ثانياً، هو درس مهم لحركة «فتح» في التعامل مع الانتخابات بصورة اكثر جدية سواء بالتحضير والعمل المنهجي طوال العام، او بوضع الخلافات الداخلية جانباً وأخذ رأي القواعد الانتخابية بالحسبان عندما يتم اختيار الأشخاص او اختيار البرامج الانتخابية، ودائماً التدقيق في العناوين المناسبة لكل موضوع.
ثالثاً، وهذا هو أهم الدروس والعبر، التفكير بنموذج «بيرزيت» لحل الخلافات التي تعيق توحيد شقي الوطن واستعادة اللحمة الوطنية في وجه المخططات الإسرائيلية التي تستهدف الأرض الإنسان الفلسطيني. وهنا من المفروض ان تكون الانتخابات جزءاً من حل هذه الخلافات فهي بكل حال لا تمثل حلاً لكل شيء ولكن يمكن النظر لها على أنها خطوة مهمة في إطار الحل، فالهموم والمشكلات كبيرة جداً ولا يمكن التصدي لها والتعامل معها بطريقة مثلى بمجرد اجراء انتخابات عامة، ولكن الانتخابات العامة تعبر عن رأي الجماهير في اختيار من يمثلها او تنتدبه لعمل المطلوب من اجل تغيير الواقع والاستجابة لتطلعاتها وحاجاتها.
قد لا يكون من السهل الآن الاتفاق على إجراء انتخابات على الرغم من ان اتفاق المصالحة ينص على انتخابات عاجلة بعد تشكيل حكومة الوفاق، وللأسف تشكلت الحكومة ولم تُمارس مهامها وصلاحياتها في قطاع غزة حتى اللحظة بسبب الخلاف على الموظفين وبعض الإجراءات التفصيلية. ولهذا ربما يكون من الأفضل ان تسبق الانتخابات خطوتان: الأولى صياغة برنامج سياسي وطني تجمع عليه كل القوى الفلسطينية ويرتكز على برنامج منظمة التحرير، وخاصة موضوع الدولة الفلسطينية في حدود الرابع من حزيران من العام ١٩٦٧، وحول هذا الموضوع يوجد اجماع وطني، وحتى حركة «حماس» وافقت على ذلك في اكثر من مناسبة منها اتفاق المصالحة الأخير وأيضاً الرسائل التي وجهتها لجهات دولية عديدة. ويستند على موضوع تدويل القضية بعد فشل المفاوضات مع إسرائيل، وهذان يشكلان قاعدة مهمة للاتفاق، على ان اي مستجد يمكن بحثه والاتفاق عليه بين جميع القوى. وفي هذا السياق يشكل تفعيل الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير مخرجاً للتداول ومعالجة كل القضايا.
أما الخطوة الثانية، فهي تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها كل الفصائل المعنية بما فيها «حماس» بالإضافة الى شخصيات وطنية بالتوافق، لكي تدير دفة السلطة حتى الانتخابات، وفي هذه الحالة لا يمكن ان تتعاطى «حماس» مع هذه الحكومة باعتبارها خصماً يجب إفشاله كما هو حاصل اليوم. وهذا من شأنه ان يمهد الأرضية لاستعادة الوحدة وخلق أجواء الثقة بين جميع الأطراف حتى حصول الانتخابات التي تشكل حكم الشعب الذي من المفروض ان يقبل به ويحترمه الجميع.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية