لم يكن الأمر يستحق الانتظار لنتائج التحقيقات بشأن الهجوم النووي الإرهابي الإسرائيلي على منشأة نطنز النووية الإيرانية، الأمر الذي أدى إلى تشويش وانقطاع التيار الكهربائي عن المنطقة، فالأمر بات واضحاً من خلال ما أوردته كافة وسائل الإعلام الإسرائيلية من أنّ إدارة نتنياهو تقف وراء هذا العدوان. وسائل الإعلام الإسرائيلية ليست مجرد وسائل اعلام تقليدية كما هو الأمر عليه لدى معظم الدول الديمقراطية، إذ ترتبط إدارة هذه الوسائل بالمستويات السياسية والأمنية إلى حدٍ بعيد وفي كثير من الأحيان يوكل لها مهمات تتجاوز المهنة الإعلامية، وما تنشره في الغالب جزء من سياسة ذات طابع أمني بدرجة ملموسة، وكانت هذه الوسائل قد لعبت دوراً أساسياً في ترجمة إحدى السياسات الإسرائيلية المتفردة وهي سياسة الغموض النووي حول ما تمتلكه الدولة العبرية من سلاحٍ نووي، وهي السياسة التي أطلق عليها أيضاً الغموض البناء، بحيث ترسل هذه الوسائل رسائل من شأنها الإشارة إلى امتلاك إسرائيل للسلاح النووي، ولكن من ناحية أخرى تتحفظ على مصادر هذه الإشارات وتُعفي المصادر الرسمية من التصريح بهذا الشأن، لكن رسالتها تصل واضحة بكل الغموض المطلوب بدرجة عالية من الوضوح، المهم أنّ الرسالة وصلت إلى كل من هو على صلة بالبرنامج النووي الإسرائيلي مفادها هناك برنامج نووي وسلاح نووي، لكن ليس هناك من مصدر يدعم هذا الأمر.
هكذا كان الأمر، وما زال قائماً إلاّ أن الأمر يزداد تعقيداً عندما يتم تحميل الموساد مسؤولية القيام بالعدوان الأخير، ولكن من زاوية مختلفة، هل تم إبلاغ الحليف الأميركي بالأمر قبل تنفيذ العملية، خاصة وأنّ الهجوم على السفينة الايرانية بالبحر الأحمر قبل أسبوع انطوى على سؤال مشابه، عندما قيل إنّ إسرائيل أبلغت حاملة طائرات أميركية كانت بالقرب من الهدف بضرورة مغادرة مكانها حتى لا تبدو وكأن واشنطن تشارك في ضرب الهدف الايراني، في حين أنَّ مصادر أميركية أشارت إلى أنّ واشنطن هي التي أوعزت لحاملة الطائرات بالابتعاد عن الهدف هذه المرة العدوان، الجديد تم أثناء زيارة وزير الدفاع الأميركي إلى اسرائيل واحتمالات كبيرة بأن تزامُن هذه العملية مع الزيارة له علاقة مباشرة بجهود إسرائيلية لإفشال التحرك الأميركي بالعودة إلى البرنامج النووي الايراني، خاصة أنّ وزير الدفاع الأميركي وبعد اجتماعاته مع كل من وزير الحرب ورئيس الحكومة في إسرائيل وأثناء مؤتمرين صحافيين لم ينطق على الإطلاق بكلمة إيران أو البرنامج النووي الايراني، مع أن هذا الملف في قلب أهداف هذه الزيارة، ما يعيد إلى الأذهان حالة التوتر التي سادت العلاقات بين الجانبين الأميركي والاسرائيلي إبان إدارة أوباما.
وبالتزامن مع هذه التطورات تجري معركة في الخفاء في الأوساط السياسية الأميركية بين النفوذ الاسرائيلي في الكونغرس حول تعيين نائب لوزير الدفاع الأميركي، ذلك أن المرشح لهذا المنصب هو كولن كال صاحب مواقف معروفة مناوئة علناً لإسرائيل، والبعض في إسرائيل فسر تزامن ضرب المنشأة النووية الايرانية أثناء زيارة وزير الدفاع الأميركي للدولة العبرية أنّ اسرائيل تخرج لسانها للولايات المتحدة وإدارة بايدن، في اعلانٍ صريح على أنها لن تسمح بتمرير عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي الايراني ولا إلى إزالة العقوبات الأميركية عن طهران، ولا ترشيح كولن كال لمنصب نائب وزير الدفاع.
إنّ ما جرى أبعد من كونه مجرد تشويش على مفاوضات فيينا، طلبُ وزير الحرب الاسرائيلي من المستشار القضائي للحكومة التحقيق في كيفية تسريب الأنباء حول قيام الموساد بهذه العملية إشارةٌ وغمز من اتهام نتنياهو كونه وراء هذا التسريب للاستفادة من إقناع كل من بينيت وسمورتش للعودة عن عنادهما وقبول تشكيل حكومته بدعم من القائمة العربية الموحدة.
المصدر : وكالة سوا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية