عشية كل اجتماع وطني عام، تكثر المطالبات من المجتمعين، وتعلو السقوف، وتتشتّت الأفكار والاقتراحات والنصائح، بينما وكالعادة أيضاً، فإن كل طرف من المشاركين في الاجتماع، يكون قد حضر ذاته وفق حساباته ورؤاه لما يريده من ذلك اللقاء.
على اجتماع القاهرة المرتقب وسط هذا الأسبوع، تتعلق آمال كثيرة وتتوقف على مخرجاته، مواقف وسياسات، ومشاعر، إذا ما كانت تلك المخرجات ستغير من المزاج الشعبي العام، الذي يعاني من الإحباط وفقدان الثقة، ولم يعد يعلق أحلامه على التصريحات والوعود.
المواطن هو الأهم، وله الأولوية من بين أولويات الفصائل والسياسيين، إذ ينبغي أن تؤدي التوافقات العامة بين الفصائل، إلى تعزيز بقاء وصمود المواطنين على الأرض، بما أن إمكانية تحقيق الأهداف الوطنية، تحتاج إلى مزيد وربما الكثير من الوقت، والكثير من الجهد والتضحيات.
ما لم يكن هذا هو جوهر الحوارات والاتفاقيات بين فصائل العمل الوطني، فإن الحسابات الفئوية، والفصائلية، لا يمكن أن تصل بالشعب الفلسطيني وأهدافه إلى نتيجة.
كمواطن فلسطيني، وصاحب خبرة، على الأقل بسبب حكم الزمن، أتمنى أن تقودنا الاتفاقيات إلى أفضل عملية انتخابية بكافة مفاصلها بل وأن تهبط آليات الديمقراطية إلى كل المجتمع، وأن تنتهي هذه العملية الديمقراطية إلى نهايات سعيدة.
النهايات السعيدة تعني إنهاء الانقسام، وإجراء التغييرات اللازمة على النظام السياسي، وتحقيق وحدة كل الفلسطينيين في إطار منظمة التحرير بحيث ينجم عن ذلك، تصعيد النضال الوطني، وتفعيل كل المؤسسات الوطنية، والنهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للناس، بما يعزز الكرامة الفردية والوطنية.
ولكن في ضوء القراءة العميقة لواقع الحال القائم، وطبيعة الحسابات الفصائلية والسياسية، والتداخلات المعقدة بين العوامل الموضوعية والذاتية، فإنني أدعو وأتطلع إلى الواقعية، التي تعني أن مثل هذا الحلم ليس مستحيلاً، وأن إمكانية تحقيقه دفعة واحدة أمر صعب لذلك على المجتمع أن يتعاطى بإيجابية عالية مع ملف الانتخابات كبداية لطريق يوصل الجميع إلى الحالة التي نريد.
وانطلاقاً من ذلك، فإنني لا أرفض من حيث المبدأ، أن تتوافق الفصائل على قائمة وطنية، حتى لو كان في ذلك مساس بالعملية الديمقراطية من حيث إنها يجب أن تشكل غربالاً سياسياً، لفصائل لا لزوم لها، ولأنها تحولت إلى مظاهر قبلية.
يبدو أن الوقت ليس وقت مثل هذه الغربلة، إذ لا تزال الحجارة الصغيرة لازمة لسد بعض الثقوب في الحسابات السياسية.
واستطراداً، لا أرى أن مثل هذه القائمة يمكن أن تمنع قوائم أخرى مستقلين أو غير مستقلين من أن تتقدم للترشح، وفي اعتقادي أنها ستحصل على مساحة واسعة، نظراً لأن المواطن الذي فقد ثقته بالفصائل ويرغب في معاقبتها، سيدلي بصوته لقوائم خارج إطار القائمة الموحدة.
عند الحديث عن القوائم والمرشحين، تجدر الإشارة إلى أن مئات المواطنين يرغبون في ترشيح أنفسهم، من بينهم شباب، ورجال أعمال ووجهاء وأكاديميون وصحافيون إلى غير ذلك.
كنت في مقال سابق، قد تحدثت عن أولوية البرنامج السياسي، ولم أكن أقصد البرامج السياسية للقوائم إن كانت فصائلية، أو مستقلة، وإنما علقت الأمر على المسؤولية الوطنية العامة للفصائل.
من وجهة نظري فإن المواطن لا يذهب للانتخابات لاختيار صاحب البرنامج السياسي، بعد أن فقد الثقة بإمكانية الالتزام بما يقدم على الورق، لهذا فإن اختيار الشخصيات المرشحة، التي تتسم بالنزاهة والوطنية، ونظافة اليد، وبطبيعة الحال الكفاءة فضلاً عن الالتزام بأهداف الشعب الفلسطيني.
يحتاج الشعب الفلسطيني إلى تغيير الأدوات والآليات، واختيار القيادات الشابة، ذلك أن الأسماء المحروقة، وأهل الخبرة المتقدمين في العمر أصبحوا عنواناً للمشهد الذي ينبغي أن يتم تغييره.
الأمر مرتبط بالفصائل أساساً، إذا ما كانت ستقوم بعملية التجديد عبر مرشحيها، بحيث تختار قيادات شابة، أو أنها ستراوح في المكان الذي تقف فيه.
الفصائل بهذا المعنى تتحمل مسؤولية تاريخية ووطنية إزاء إسهامها في عملية التغيير، إذ من غير الممكن قبول، ظواهر متراكمة، تجد فيها القيادي، هو الوزير، وهو القائد لحزبه، وهو عضو اللجنة التنفيذية، والمسؤول عن عدد من الملفات المهمة، هذه الظاهرة متوفرة وبوضوح في الساحة الفلسطينية، وتوحي بأن الشعب الفلسطيني يفتقر إلى الكفاءات، ولذلك يجري تركيزها في أفراد معينين أو أن الوفاء للمهمة لا يتوفر إلا لعدد محدود من البشر.
في حوارات القاهرة ثمة قضايا تحتاج إلى علاج، لضمان أفضل مناخ ممكن لإجراء الانتخابات، وبأقل قدر من الانتقادات.
أولى هذه القضايا تتصل بمن يحق لهم الترشح للانتخابات، إذ لا يمكن إقصاء عشرات الكفاءات التي تقف على رأس عملها في مؤسسات، العمل الأهلي والوطني.
في حال استمر سريان شروط الترشح فإن المجتمع سيخسر الكثير من الكفاءات التي أثبتت جدارتها في الميدان وتتمتع بمواصفات قيادية.
ثاني هذه القضايا، ما يتعلق بسن الترشح، إذ علينا أن نذكر القيادات الراهنة صاحبة التجربة النضالية الطويلة، بأن الكثيرين منهم انخرطوا في عمل وطني تاريخي، وهم في سنوات الجامعة أو أكثر من ذلك بقليل.
ثالث هذه القضايا مطلوب تيسير شروط ترشح القوائم، لأن المبلغ، المطلوب وهو عشرون ألف دولار، يوحي بأن الفقراء لا يمكنهم أن يتقدموا لترشيح أنفسهم، أو أن البعض سيتحمل العبء ليس لتلبية هذا الشرط فقط، وإنما لتغطية تكاليف الحملات الانتخابية، أو ربما البحث عن مصادر أجنبية.
أخيراً تستحق المرأة أن تحصل على فرصة أوسع من المتاحة لها، خاصة أن المجتمع الفلسطيني غني بالكفاءات النسائية، ولضمان حد أدنى من المساواة التي يتحدث عنها الجميع.
المصدر : وكالة سوا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية