يبدو أن الملف الأمني -  المصنف بأنه الأصعب في ملفات المصالحة -  قد فرض نفسه على سلم أولويات الحكومة الجديدة من خلال ما حدث أمام بنوك غزة الأسبوع الماضي.
ولكن، مهما كانت نوايا الشرطة في إغلاق البنوك للفصل بين الموظفين الذين لهم رواتب وزملائهم الذين لم يجدوا شيئا، فان احساسا تولد بانتصار الشرطة لطرف دون آخر، مع أن الآخر لا علاقة له  بحسرة وغضب سرعان ما  تطور حتى  صار بلطجة، مما أثارت في الاخر تساؤلا عن مستقبل دور الشرطة وحياديتها المفترضة.

 ليس من الواضح أن تصريح وكيل وزارة المالية بأن الصرف لبقية الموظفين سيبدأ مع وصول المساعدة القطرية خلال الأسبوع الحالي سيكون له صدى ايجابيا لدى موظفي حماس وينسحبوا من أمام البنوك، وليس مفهوما لماذا لم تصدر قيادة حماس لموظفيها السابقين بعدم اللجوء إلى مثل هذا الأسلوب المدان رغم شرعية الغضب.

صحيح أن حجم المشاكل التي تواجهها الحكومة يربكها: من أين تبدأ؟ وأي القضايا التي تعتبر أكثر الحاحا لنزع فتيل عودة  الوضع إلى ما كان عليه؟ لكن الصحيح أيضا أن ما تواجهه الحكومة من تحديات يتجاوز قدرتها على التعامل معها باعصاب باردة. قلة الإمكانيات مضاف إليها التعطيل الإسرائيلي أصابها بالارباك لدرجة لا تستطيع حتى عقد اجتماع متكامل لأعضائها. إنها حكومة الأعباء الثقيلة والمواجهات الحياتية الأصعب.

إذا كانت قضية الرواتب تبدو المشكلة الأسرع التي تنفجر في وجهها، لكنها ليست الأصعب. فثمة مشاكل وقضايا ملحة وعديدة، من شأنها أن تحمل دلالات مطمئنة لشعبنا بما جلبته المصالحة وحكومة التوافق من خير، منها عودة كافة الأخوة أبناء فتح الذين غادروا القطاع اثر الانقسام، ودعوة لجنة الحريات العامة لوضع آليات عمل قابلة للتنفيذ،   ووقف الاعتقالات أو الاستدعاءات، ونشر ثقافة المحبة والتسامح ليس أقلها  عودة الكهرباء وقضايا حياتية أخرى معطلة، منها ما هو اقتصادي واجتماعي وتعليمي وصحي .

يتفق الجميع على أن حركتي فتح وحماس أبدتا جدية مدهشة في التوجه نحو المصالحة الوطنية، وقد  تجاوزتا "أزمة الثقة" المتوقعة، ووفق ما تم الاتفاق عليه بين الرئاسة
وقيادة حماس فان الأخيرة مدعوة للمساهمة في توفير غطاء مالي للوضع الجديد وهو ما دفع السيد اسماعيل هنيه للاتصال مع أمير دولة قطر (رغم أن الاتصال ينطوي على تجاوز برتوكولي ودبلوماسي في الوضع العادي) وتحرك غير معلن لرئيس المكتب السياسي خالد مشعل في هذا الصدد، ولتغطية التزامات مادية تترتب على المصالحة المجتمعية.

إذا، الجميع يرى الى هذه الحكومة باعتبارها حكومة الشعب وليس فئة ما أو منطقة جغرافية معينة دون أخرى، حكومة الأعباء الأكثر ثقلا منذ قيام السلطة الوطنية الفلسطينية التي يراهن على فشلها الإسرائيليون والمتضررون من المصالحة . لذلك نخاف عليها  وليس مسموحا لها أن تَفشل أو تُفشّل أو تبدو عاجزة عن فعل ما يطمح إليه المواطن . ولذلك ، ينبغي الكف عن اطلاق مصطلحات تعيدنا الى مربع الانقسام  مرة أخرى .

 لا شك أن قضية الرواتب قضية حساسة تمس لقمة عيش كريم لموظفين مسخرين لخدمة الوطن بغض النظر عن هويتهم الحزبية،  إلا أن ما حدث ليس مبررا , بل كان يقتضي قليلا من الحكمة، وليس بدعوى الحق يكون مسموحا  اثارة الفوضى التي  يطمح إليها الاحتلال ويسعى لأن  تكون . 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد