سأجيب عن هذا السؤال، وعلى غير العادة في نهاية المقال لأسباب منهجية خاصة.المهم أن الاتفاق قد تم فعلاً على مسألتين مهمتين للغاية: إجراء الانتخابات في مواعيدها، واحترام كل النتائج والالتزام بها.
كما كان متوقعاً لم يتمكن أحد من إشهار سيف التعطيل، إما إدراكاً بالمسؤولية الوطنية إزاء ما نمر به، وما يمكن أن نواجهه من أزمات وتحديات فيما لو جرى إشهار ذلك السيف، أو «خوفاً» من تحمل تبعات الموقف على كل مستوى وفي كل مجال.
في الحالتين: الأولى، وتمثل موقف الأغلبية الكبيرة، والثانية، وتمثل مواقف «مكبوتة»، وبصوت مبحوح ليس للأقلية القليلة، وإنما لأقليات كثيرة داخل بعض الفصائل أو داخل فصائل رئيسة. من هذه الفصائل حركة حماس . الجناح المعارض للانتخابات داخلها، والذي يكبت الموقف وصوته مبحوح سيظل يراهن على تعطل هذه الانتخابات حتى آخر يوم ما قبل الاقتراع، اعتماداً إما على التعطيل الإسرائيلي، أو على تعطيلات داخلية فلسطينية من بعض القيادات السابقة في حركة فتح، أو قيادات غاضبة من قيادتها.
بل ويمكن ان يراهن هذا الجناح على «فشل» الاجتماعات القادمة في الشهر المقبل، والتي ستركز على ترتيب البيت الفلسطيني من بوابة منظمة التحرير الفلسطينية وإصلاحها وإعادة بنائها وتفعيل مؤسساتها واستعادة مكانتها.
هذا الجناح يتفهم أهمية أن تكون حركة حماس جزءاً من الشرعية الوطنية، ليس إيماناً بهذه الشرعية، وإنما لكونها مظلة حامية للحركة من تطورات قادم الأيام، ليس فقط داخلياً (فذلك مقدور عليه، ولا يشكل الأساس في مسألة الحماية والمظلة من وجهة نظر هذا الجناح)، وإنما تلك الحماية التي تتعلق بالموقفين العربي ـ الإقليمي من جهة، وبالموقف الدولي من جهة أخرى.
لكن ومقابل هذا «التفهم» فإنه ـ أي هذا الجناح ـ يرفض في قرارة نفسه ولو مؤقتا مبادلة التحكم بقطاع غزة مقابل هذه الحماية، وقد يتمرد على موقف حركة حماس نفسها إذا ما شعر أن الأمور تسير باتجاه إقامة سلطة واحدة أو إذا ما شعر أن زمن التحكم الكامل بالقطاع قد ولّى إلى غير رجعة.
فقد هذا الجناح المراهنة الكاملة على الظهير الإقليمي لحركة حماس، لأن الظهير التقليدي لحركة حماس بات يدفع بقوة نحو إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، والظهير الإيراني وحده ليس كافيا لشق عصا الطاعة لا في وجه حركة حماس، ولا في وجه الساحة الوطنية كلها.
الذي أراه هو أن عدم مشاركة «الجهاد الإسلامي» في الانتخابات مسألة متسقة مع مواقف هذه المنظمة سابقاً، ولا تشكل مقاطعتها للانتخابات تعطيلاً لها او عائقاً أمامها.
أما موقف «الشعبية» وبالنظر إلى «مركزية» التحرر من أوسلو كمعيار او احد معايير موقفها من الانتخابات، مشاركة او مقاطعة.. فإن هذا الموقف لا يتصف بالانسجام المطلوب، ليس لأنها تطالب بهذا التحرر من أوسلو ـ فهذا حقها الكامل ـ وإنما بسبب أن الجبهة قد شاركت في الانتخابات السابقة، ولم تكن الحالة الوطنية قد «تحررت» من أوسلو. ولهذا فإن «الشعبية» في أغلب الظن ستشارك في الانتخابات، خصوصاً وأنها تعتبر الترتيب الحقيقي للبيت الفلسطيني يعتمد بالأساس على إصلاح المنظمة وإعادة مكانتها في النظام السياسي الفلسطيني كله، وهذا الموقف بالمناسبة يعتبر أحد مكامن القوة في موقف «الشعبية» ـ كما أرى ـ وهو يلتقي ويتقاطع مع مواقف الكل الوطني الفلسطيني الشامل.
مسألة «التحرر» من أوسلو مسألة قد تكون محقة بالكامل في مرحلة معينة، سابقة أو لاحقة، وقد تكون المطالبة بها مشروعة تماماً عند درجة معينة من درجات ترتيب البيت الفلسطيني، بل يمكن أن نعتبر الانتخابات والبدء في إصلاح أوضاع المنظمة أسباباً محفزة للتحرر من أوسلو وليس العكس.
«التحرر» من أوسلو لا تكمن قيمته في الإعلانات السياسية بقدر ما تكمن في توفير أسباب وشروط المنعة الوطنية القادرة على القيام بهذه المهمة.
والأهم أن الإعلان، الآن، ربما يسلح إسرائيل من ناحية المنطق الشكلي من أجل «تعطيل» الانتخابات استناداً إلى هذه «الذريعة» بالذات خصوصا وأن الكل الوطني يدرك تمام الإدراك ان إسرائيل تبحث عن كل ما يمكنها من تعطيل الانتخابات دون ان تدفع ثمناً سياسياً لهذا التعطيل، ولعل الإعلان عن «التحرر» من اتفاقيات أوسلو في اجتماعات تعقد خصيصاً أو بصورة رئيسة من أجل الانتخابات ان يعطي لإسرائيل في هذه المناسبة بالذات، وفي هذه الظروف بالذات ما تحتاج أو تتصور أنها تحتاج إليه.
إسرائيل أنهت أوسلو من طرف واحد، وهي تتمسك فقط بما يمكنها من استخدامه للضغط على الشعب الفلسطيني. أقصد ان ما بقي من أوسلو لا يحتاج أصلاً الى إعلانات «تحرر» بقدر ما يحتاج الى قوة في البناء الوطني القادر على فرض المشروع الوطني وليس مجرد الإعلانات السياسية.
«فتح» موحّدة تحت إطار اللجنة المركزية والمجلس الوطني حول عقد الانتخابات، وهي صاحبة مصلحة وصاحبة مشروع عقدها أصلاً، لكن المعضلة تكمن في قدرة الحركة على توحيد صفوفها كاملة في مواجهة هذا الاستحقاق.
إذا نجحت «فتح» ـ وهي قادرة على النجاح ـ في منع الترشح بقوائم تحت مسميات «فتحاوية»، واستطاعت ـ وهي تستطيع أن تلمّ تحت جناحها كل او الجزء الأكبر من تلك المسميات فإنها ـ أي «فتح» ـ ستعمل بكل طاقتها لإعادة بنائها السياسي الفلسطيني برمّته ومن بوابة إعادة الاعتبار والمكانة لمنظمة التحرير الفلسطينية لأن في ذلك تكمن مصالحها الحقيقية، وقوتها الحقيقية.
أما إذا لم تتمكن من ذلك فإن عوامل كثيرة ستدخل وتتكالب لتعطيل مسار إعادة بناء النظام السياسي، وكامل خطط إعادة تفعيل دور المنظمة، وربما وصولا الى تعطيل مسار استكمال الانتخابات الرئاسية وتلك التي تتعلق بالمجلس الوطني.
ولهذا بالذات فإن كل محاولات تعطيل وحدة حركة فتح في هذه المرحلة ليس سوى الاسم الحركي لمسار تعطيل إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني بغض النظر عن النوايا وبغض النظر عن المبررات.
وإذا كان من موقف يساعد «فتح» في هذا المقام فهو أن «فتح «من خلال بوابة المنظمة تستطيع ان تقطع الطريق على كل من يتربص بها وبوحدتها.
هل قطعنا منتصف الطريق من خلال الاتفاق على إجراء الانتخابات؟ الجواب نعم، ولكن ليس بمعنى منتصف المسافة، وإنما بمعنى منتصف الطريق في قطع الطريق على من كانوا وربما ما زالوا يخططون لإفشال عقدها. أما الطريق إلى إعادة ترتيب البيت فما زال طويلاً.
المصدر : وكالة سوا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية