لا تشبه الحوارات الفلسطينية الجارية في القاهرة منذ أمس، ما سبقها من جولات حوارية سابقة، إلا في شيء وحيد، وهو ما يرافقها من توجس شعبي، لكن هذه الحوارات لا يمكن القول بأنها سياسية تماماً، كما سابقاتها، رغم أن جوهرها وحتى بعض طابعها سياسي، كذلك هي واحدة من حالات أقل تعتبر شاملة، وليست ثنائية، فهي تشارك بها وفود أربعة عشر فصيلاً إضافة لمستقلين، ورغم ذلك خرج من يشكو من عدم دعوته للمشاركة!
حوار القاهرة يبحث بالدرجة الأولى في آليات إجراء الانتخابات، وضمانة توفير الأجواء الداخلية لأجرائها بشفافية، فهي على غير سابقتيها، نقصد الانتخابات التي جرت عامي 1996، 2006، تجري في ظل انقسام سلطوي بين جناحي الوطن في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، بما يفرض تحديات داخلية، تضاف للتحديات الخارجية بالطبع، لم تكن موجودة من قبل، حيث لا يكفي مجرد إصدار المراسيم الرئاسية حتى يتم تنفيذها بسهولة وبساطة، وإذا كانت مراسيم الرئيس تلزم السلطة في الضفة الغربية تماماً، فهي ليست كذلك فيما يخص قطاع غزة، لذا يمكننا القول بأن التحديات الداخلية التي تواجه إجرائها، تقع ضمن إطار غزة، أكثر بكثير من الضفة الغربية.
رغم مشاركة ممثلي كل الفصائل السياسية، ورغم وجود موافقة خطية من قبل اكبر فصيلين، وضمانات من قبل أربع دول، إلا أن مشاركة العديد من الفصائل مرهونة بالاتفاق على تلك الآليات وتلك التفاصيل التي ستخرج عن اتفاق القاهرة، وهناك تحدٍ أول يكمن في أن بعض الفصائل تحاول منذ ما قبل الذهاب للقاهرة، فرض البحث في الأرضية السياسية أو الإطار السياسي الذي ستجري ضمنه الانتخابات، وكأنها تسعى إلى العودة للمربع الأول من الحوار المستمر منذ سنوات طويلة، وحيث إن جدول حوار القاهرة قد تجاوز هذا، إلا أن عدم مشاركة بعض الفصائل الرئيسية بالذات، والتي تملك قوة عسكرية مهمة في غزة، يعني بأنها لن تكون معنية بنجاح الانتخابات التشريعية ومن ثم الرئاسية، وبأنها ستكون على مقاعد المعارضة، خارج إطار السلطة، قبل إعادة تشكيلها أو إعادة توحيدها.
في حقيقة الأمر، التحديات الداخلية تتركز في غزة، فيما التحديات الخارجية التي تواجه إجراء الانتخابات بنجاح تكمن في الضفة الغربية، ولكل حساباته بالطبع، ففي داخل حركة حماس ، ورغم انخراط القيادة السياسية جدياً في مسار الانتخابات كمدخل لإنهاء الانقسام، إلا أن هناك اتجاهات داخل «حماس» ما زالت ترفض أن تكون الانتخابات كذلك، وكانت ومازالت تريد أن تجري الأمور بالعكس، أي بعقد شراكة سياسية بين «فتح» و»حماس»، أولاً، وفي هذا السياق كانت طرحت فكرة القائمة المشتركة بين الحركتين، لضمان الحصة وجعل الانتخابات تحصيل حاصل، محطة تنفيذ الشراكة، وليست احتكاماً للشعب ليمنح ثقته فيمن يراه مؤهلاً للقيادة، هذا فضلاً عن الاحتكام للصندوق الانتخابي ليحدد البرنامج السياسي، الذي تصر بعض الفصائل وبعض الاتجاهات، على أن تحدده هي_ أي النخبة السياسية_ لا أن تجعل من إرادة الشعب هي من تحدده .
قبل أيام أعلن موسى أبو مرزوق عن تأجيل حوار القاهرة إلى ما بعد منتصف شباط الحالي، ليتأكد بعد ذلك عدم صحة ذلك الإعلان، لكن ذلك وشى بحقيقة كون البعض، لا يتمتع بالحماس الكافي للذهاب في طريق الانتخابات، كذلك أعلنت مجموعات عسكرية في غزة، عن عدم دعوتها للمشاركة في حوار القاهرة، بما يعني بأنها ستلجأ إلى ما يمكنه أن ينغص على العملية سيرها بسلاسة، وهنا لابد من الإشارة إلى الجدل الذي دار داخل وحول الجهاد الإسلامي، حيث ظهرت مطالبات المعارضين للمشاركة بالإعلان الرسمي الصريح عن أن الانتخابات تجري خارج إطار أوسلو، وهم يعرفون بأن إعلاناً كهذا، سينزع المنطق من المطالبة الفلسطينية للأوروبيين، فضلاً عن ضمانات القاهرة والدوحة وموسكو وأنقرة للعملية الانتخابية، بالضغط على إسرائيل لتجاوز التحدي الخارجي الذي يقف في طريق أجراء العملية الانتخابية.
ليس معروفاً ولا مؤكداً بعد، إن كانت فصائل مهمة مثل الجهاد الإسلامي، وحتى الجبهة الشعبية، ستشارك في الانتخابات أم لا، والأهم هو هل ستوفر القوة الأمنية في قطاع غزة الظروف المرافقة لسير العملية على أكمل وجه، رغم وجود ضمانات سياسية عبر قيادة حماس السياسية، وعبر الراعي القطري، كذلك الضامن المصري، ولعل لقاءات قيادتي «حماس» و»الجهاد» في موسكو، هي في هذا الاتجاه، لذا نحن نعتقد بأنه على الأغلب ما لم يخرج حوار القاهرة بشيء غير متوقع، وهذا مستبعد، فإن التحدي الداخلي مقدور عليه، ولن يعطل العملية الانتخابية، التي دخلت في تفاصيل الجانب الفني، مع دخول وفد لجنة الانتخابات المركزية لغزة بالتوازي مع حوار القاهرة.
يبقى مع ذلك التحدي الخارجي، وهنا تكمن المشكلة، والتحدي الخارجي يفرض مسؤولية على متحاوري القاهرة، بأن يسير حوارهم بشكل حسن، حتى لا يمنحوا إسرائيل ذريعة التحلل من الالتزام بعدم عرقلة سير الانتخابات، فأوروبا مع روسيا وحتى أميركا، ورغم أولوية الاهتمام بملفات إقليمية عديدة في مقدمتها الملف الإيراني، ورغم انشغال إسرائيل بانتخاباتها التي يمكن أن تفضي إلى عدم تشكيل حكومة، إلا أن إلزامها بانتخابات تجري وفق المسار الذي جرت فيه انتخابات 1996، 2005 الرئاسية، 2006 التشريعية بما في ذلك القدس ، أمر ممكن جدا، ما لم تمنحها مراهقة داخلية ورقة إعفائها من الأقدام على أمر لا تريده.
بعد ذلك يبدو كل شيء تفاصيل ليست ذات قيمة، فإقامة النظام الديمقراطي الفلسطيني ما زالت عملية شاقة، والدليل هو أنها جرت في المرة الثانية بعد عشر سنوات، وفي المرة الثالثة بعد خمسة عشر عاماً، وانتهت العملية الانتخابية الثانية رغم أنها شهدت تداولاً في السلطة، بانقلاب عسكري، لكن الانتخابات ستكون مناسبة لتجديد قيادات الفصائل، وتجديد الحياة الداخلية الفلسطينية، فضلا عن وضع الحد للانقسام بالطبع، لهذا فيمكن القول، بأن القيادات الشائخة، وإن حفظة الشعارات والمقولات والبرامج الميتة، من مدمني السكون السياسي، لن يكونوا متحمسين للعملية الديمقراطية، هذا إذا عجزوا عن منعها، أو إعاقتها، أو عرقلتها، وحيث أن منعها لم يعد وارداً، فإن الخوف كله من إعاقتها، لذا فإن المهم هو الخروج بضمانات داخلية، خاصة في قطاع غزة، لتوفير كل الظروف الضرورية لإجراء انتخابات حرة، ومن ثم قبول نتائجها.
المصدر : وكالة سوا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية