جاء قرار السلطات المصرية ب فتح معبر رفح بعد شهرين من الإغلاق، متزامنا مع حوارات الفصائل الفلسطينية، الأسبوع القادم في القاهرة، وذلك لتهيئة الأجواء لإنجاح تلك الحوارات التي تهدف كما هو معروف لتحديد آليات السير على طريق إجراء الانتخابات المتتابعة المعلن عنها بالمراسيم الرئاسية.


المهم هنا أن الفصائل نفسها تظهر تلكؤا أو عدم رغبة حقيقية في إجراء الانتخابات، كما لو كانت مكرهة على إجرائها، رغم كل ما يقول به قادتها في العلن من أجل الاستهلاك المحلي، وكأن معظم تلك القيادات تعودت على إدارة الانقسام، فيما إجراء الانتخابات الذي يضع حدا للانقسام، يعني الدخول إلى المجهول، ويعني تجربة الشراكة في الحكم، ويعني تغيير المعادلات الداخلية، بما في ذلك علاقة نظامي الحكم السياسي، مع المقاومة أو السلطة على الأرض، والتي ظلت غير واضحة، لذا فإن كل حديث الانتخابات لم يغير من الأداء الحكومي في رام الله و غزة ، وكأن حال القوم يقول، اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا.


أول ما يلاحظ هو أن لا شيء واضحا لدى الفصائل فيما يخص شكل دخولها للانتخابات، فـ»الجهاد الإسلامي» التي لم يسبق لها وأن شاركت في الانتخابات السابقة، أجرت جدلا مجتمعيا ترافق مع جدل داخلي، حول القرار الذي يمكن أن تتخذه الحركة تجاه المشاركة أو عدمها، وهي التي تعاني منذ وقت من انحسار الدعم المالي، الذي تتلقاه من إيران بالتحديد، بما يعني أن المشاركة في الانتخابات ستدفع بالحركة للانخراط في المعادلة السياسية الداخلية، لتخضع لشروطها بشكل كامل، لكنها ما زالت مترددة، وهي تراهن على خروج إيران من ضائقتها، في الوقت الذي ترغب فيه في عدم الظهور كنسخة مكررة عن « حماس ». أما الفصائل الأخرى، فما زالت مواقفها غير واضحة، وإن كانت جميعها تنتظر موقف حركتي فتح وحماس، فإن اتفقت الحركتان على قائمة مشتركة مثلا، باركتها وشاركت فيها، كل حسب حجمه وعلاقته بأحد قطبي المعادلة الداخلية، وإن ذهبت الحركتان، كل بقائمة خاصة، بحثت الفصائل بينهما عن تحالفات مع واحدة منهما، وإن كان المتوقع في هذه الحالة، أن تظهر قائمة تمثل منظمة التحرير الفلسطينية، وأخرى تمثل القوى الإسلامية.


الأهم من هذا هو ما يدور داخل حركتي فتح وحماس، من إعداد ذاتي، ومعروف بأن «حماس» أمام استحقاق انتخابي داخلي، قيل قبل أسابيع عن التوصل لتوافق يبقي على إسماعيل هنية رئيسا للمكتب السياسي، وخالد مشعل كرئيس للخارج، وصالح العاروري كنائب لرئيس الحركة ورئيس لتنظيم الضفة الغربية، فيما يبقى على الأغلب يحيى السنوار رئيسا لـ»حماس» في غزة.


لكن بعض قادة «حماس» في غزة سرعان ما نفوا وجود مثل ذلك التوافق، وقالوا، إنهم يصرون على إجراء الانتخابات الداخلية، بما يعني بأن «حماس» ليست جاهزة تماما لإجراء الانتخابات العامة، وقد تكون معارضة تنظيم «حماس» في غزة بالتحديد ناجمة عن أن الانتخابات التي تؤدي لإنهاء الانقسام، ستكون على حساب سلطة الأمر الواقع على الأرض، والتي هي بيد «القسام»، وقد لا يطول الوقت حتى يبدأ معارضو إجراء الانتخابات وهم معارضو إنهاء الانقسام في حقيقة الأمر، بالحديث عن توفير ضمانات للإبقاء على سلاح المقاومة، أو حتى الإعلان عن أن الانتخابات لا تجري وفق أوسلو، أي بالالتزام بالاتفاقات الدولية للسلطة، كما يقول صراحة بعض قادة «الجهاد»، لترجيح خيار مشاركتهم، حيث ما زالوا لم يحسموا أمرهم تجاه ذلك، وهذا يعني بأن تضعف مطالبات السلطة للأوروبيين وغيرهم للضغط على إسرائيل، لإجراء الانتخابات.


كذلك فإن «فتح» لم تستعجل الدخول في التفاصيل، حتى لا تفتح أبواب الصراعات الداخلية، حول الغنائم الناجمة عن مقاعد التشريعي والمجلس الوطني وحتى الرئاسة، رغم أن مرشح «فتح» للرئاسة لا خلاف عليه، وهو الرئيس محمود عباس ، والحقيقة أن أمورا معلقة كثيرة، ما زالت تحول دون الهرولة للانتخابات، فـ»فتح» التي فقدت بوفاة الراحل الدكتور صائب عريقات منصب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، لم تعلن عن وريثه في المنصب، رغم وجود ممثلين لها في اللجنة التنفيذية.


مختصر القول، إن حوارات القاهرة، التي من غير المقبول لها أن تفشل، عليها أن تعلن عن الإقلاع التنفيذي لمراسيم الانتخابات، والبدء بها، بما يعني أن تواجه الفصائل جدلا داخليا، قد يصل إلى حدود الصراعات الداخلية، وهي في كل الأحوال، ستواجه هذا، إن اتفقت الحركتان على الشراكة مسبقا عبر القائمة المشتركة، أو إن ذهبتا إلى المنافسة، وكل حالة تتطلب اصطفافات تنظيمية داخلية، ووطنية، لكل منها حساباتها.


ما يزيد من ظاهرة التلكؤ هو أن الظرف الحالي بات اقل ضغطا على طرفي المعادلة، فمن ناحية السلطة الرسمية و»فتح»، عادت أموال المقاصة، وعادت واشنطن لتصبح أقل عداء، بحيث خف الضغط السياسي والمالي، في الوقت الذي أسرعت فيه قطر للإعلان عن زيادة المنحة الشهرية، التي تمول حكومة حماس في غزة من 26 إلى 30 مليون دولار أميركي شهريا، والأهم إلى الإعلان عن توفيرها لمدة عام كامل قادم. والإقليم نفسه منخرط بالجدل حول الملف الإيراني، ولا يولي الاهتمام الكافي لا لإجراء الانتخابات الفلسطينية ولا حتى الإسرائيلية التي قد تدخل إسرائيل، مجددا، في حالة الشلل السياسي الداخلي، بما يعني أن الانتخابات الفلسطينية التي ستجعل من الجانب الفلسطيني أكثر جاهزية لحل تاريخي، ليست ملحة، الآن، في انتظار انخراط إدارة جو بايدن فعليا في الخطوات العملية لملفات الشرق الأوسط، بما فيها الملف الفلسطيني الداخلي، وملف الصراع والحل مع الجانب الإسرائيلي.

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد