كان اجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح أول من أمس مهماً، ليس لأن اجتماعات هيئات الحركة، كما هو حال كل الفصائل الفلسطينية، لا يجري بشكل دوري ومتواصل، وليس لأنه بالضرورة قد خرجت عن الاجتماع قرارات حاسمة أو منتظرة، فضلاً عن حظوظ تنفيذ أي قرارات تصدر أصلاً عن أي جهة فصائلية فلسطينية، بل لأن الاجتماع على ما يبدو جرى لمناقشة وترتيب أوضاع الحركة الأهم بين صفوف الشعب الفلسطيني، وتحديد الخطوط العامة لبرنامج «فتح» فيما يخص استحقاق الانتخابات الفلسطينية العامة المزمع إجراؤها خلال هذا العام بالتتابع في حلقاتها الثلاث: التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية.
كان اجتماع «مركزية فتح» مهماً إذاً لأنه بذلك يوحي بأن إجراء الانتخابات العامة، أمر جدي هذه المرة، فيما يخص الجهة الرسمية الفلسطينية، على أقل تقدير، بينما لا أحد يمكنه أن يتكهن ما سيكون عليه الموقف الإسرائيلي، الذي بإمكانه عرقلة بل وتعطيل إجراء الانتخابات كلياً أو جزئياً كما يعرف وكما يقر بذلك الجميع، وكان الاجتماع مهماً ومتابَعاً من قبل قدر كبير من الناس خاصة مواطني قطاع غزة ، الذين واصلوا الاحتفاظ بحلم انهاء الانقسام طوال أربعة عشر عاماً مضت، وواصلوا التطلع للتخلص مما لحق بهم من غبن ومعاناة، وضنك عيش طوال تلك الفترة بسبب ذلك الانقسام البغيض، لذا فقد ترافق اجتماع «مركزية فتح» بإطلاق الوعود من قبل أكثر من ناطق باسم الحركة، بأن الاجتماع سيحل جميع القضايا العالقة والتي لها علاقة بقطاع غزة، وقد وضّح الأخ إياد نصر المتحدث باسم الحركة في غزة تلك القضايا بالقول بأنها تشمل موضوع التقاعد المالي، رواتب الموظفين وتفريغات 2005.
بيان اللجنة المركزية للحركة كما حال كل البيانات السابقة أجمل ما كان محور اهتمام الاجتماع، بتحديد الإطار العام للتحرك السياسي في المرحلة القادمة، ملاحظاً ما حدث من تغيير في ساكن البيت الأبيض، ومبدياً الاستعداد للدخول في عملية سياسية قائمة على أساس الشرعية الدولية وحل الدولتين، وشدَّ البيان على يد الحكومة فيما يخص طريقة مواجهتها لفيروس كورونا ، وبارك جهود المصالحة، وأكد على أن الانتخابات هي مدخل إنهاء الانقسام، وأشار البيان إلى قطاع غزة بسطر وحيد، لكنه مهم، أشار فيه الى أن السيد الرئيس سيتعامل مع كافة مشاكل قطاع غزة ومعالجة قضاياها بكل إيجابية.
هناك إذاً إقرار بوجود مشاكل وقضايا خاصة بقطاع غزة، وهناك وعد بحلها بشكل إيجابي، لكن متى؟ هذا ما لم يجب عليه أو يتطرق له الاجتماع، لكنه على كل حال ليس كما توقع الأخ إياد نصر، بأن القرارات التي ستتخذها اللجنة المركزية للحركة بشأن قطاع غزة ستنفذ فوراً، ولتدارك الاندفاع أو ال حماس الذي عادة ما ينتاب من هم في مستوى المجلس الثوري او من هم قريبون منه، من ناطقين باسم الحركة خاصة الناطقين باسمها من القطاع، أكد عضو المجلس الثوري المخضرم الدكتور عبد الله عبد الله، وجود قرار بحل قضايا قطاع غزة لكن التنفيذ يتوقف على وجود سيولة، كذلك على مستوى تأثير «كورونا» حيث إن اللقاح المضاد لها يحتاج الى أموال طائلة، بدوره أعلن المتحدث باسم التعبئة والتنظيم لحركة فتح الأخ منير الجاغوب عقب اجتماع «مركزية فتح» بأن السيد الرئيس قد اصدر تعليماته فعلاً لرئيس الوزراء بحل قضايا قطاع غزة وأبرزها تفريغات 2005، والتقاعد المالي والمقطوعة رواتبهم.
بعض المراقبين من خبثاء القوم، يرجعون الحديث بهذه القوة عن حل مشاكل غزة من قبل حركة فتح، الى الاستحقاق الانتخابي، حيث كما تشير التقديرات إلى أن أهل غزة الذين عانوا من ويلات الحكم العسكري لحركة حماس، هم اكثر الناس انفضاضاً عن الحركة الخصم السياسي والمنافس لحركة فتح في صناديق الاقتراع، لذا من الطبيعي ان تراهن حركة فتح على أصوات أهل غزة، لتعلي من شأنها ولتضمن لها التفوق في تلك الموقعة، ولكن هذا يتطلب تنفيذ مطالب أنصار «فتح» ومناصريها في غزة، من خلال حل تلك القضايا المشار إليها، اي ان ذلك الحديث ما هو إلا حديث انتخابات، وأياً يكن الأمر، فالناس تريد العنب ولا تريد مقاتلة الناطور، وحل تلك القضايا، فضلاً عن أنه حق طبيعي لأصحابه، فإنه يخفف من وطأة الحياة في القطاع وعن أهله، وهذا أمر جيد وفيه كل الخير.
أما ما يتعلق بالتنفيذ، وبغض النظر عن الخوض في جدل التبريرات، الخاصة بالسيولة والتزامات الحكومة، فبرأينا يرضي الناس المعنيين الإقرار الحكومي بوجود مستحقات مالية وحقوق وظيفية للقطاعات المشار إليها، كما حدث في العامين المنصرمين، حين قامت الحكومة بصرف أنصاف الرواتب، الى حين توفرت السيولة، فقامت بصرف مستحقات الموظفين، حين ميسرة، اي انه يمكن بل يتوجب على الحكومة فوراً، ان تعلن الوقف الفوري للتقاعد المالي، وحل تفريغات 2005، وإعادة صرف الرواتب لمن قطعت رواتبهم بتقارير كيدية، وان تقوم بإجراء الحسبة المالية المترتبة على ذلك، لتعلن بان لدى الموظفين مستحقات مالية واجبة الصرف، حين تتوفر السيولة المالية، وليس بعد إجراء الانتخابات مثلاً!
ما يثير شيئاً من الارتياح هو ان «مركزية فتح» ولديها من الخبرة السياسية ما يكفي، لم تظهر التسرع فيما يخص الملفات والقضايا السياسية والداخلية التي تمت مناقشتها، وهي ما زالت تتابع ملف الانتخابات نفسه بروية وحذر، ذلك ان هناك اجتماع القاهرة، الذي سيترتب على ما يخرج منه، الاستمرار في مواصلة طريق الانتخابات من عدمه، كذلك ما ستفضي له التشاورات بين الفصائل من ترتيبات خاصة بالقوائم والنظام الانتخابي، ومراكز الاقتراع، والموقف الدولي كذلك، و»فتح» بغنى عن فتح ملف إعداد قوائم مرشحيها، بكل ما سينجم عنه من شد داخلي، وجدل وهرج، قبل أوانه، أي انها لم تبحث في سلخ جلد الذئب قبل اصطياده.
أما حال أهل غزة من مواطنين وموظفين، فيؤكد بأن حقاً لا يضيع ما دام وراءه مُطالب لحوح لا يكل ولا يمل من المطالبة به، فيما تثبت غزة دائماً، بأنها رافعة المشروع الوطني الفلسطيني، وأنها لن تكون إلا مع من يواصلون السير على دروبه الوعرة والشاقة، وأنها لن تكون إلا فلسطينية خالصة، مهما خُيل لقصيري النظر وعديمي الرؤية بأنها يمكن ان تكون غير ذلك، والتحدي الحقيقي دائماُ هو في اللجوء الى الشعب، فلم يكن مستغرباُ ان لا تجري فيها أي انتخابات من أي نوع، لا محلية ولا نقابية ولا طلابية حتى، طوال الأربعة عشر عاماً الماضية.
المصدر : وكالة سوا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية