أربع سنوات عجاف مرّت يوم أمس، بمغادرة الرئيس السابق دونالد ترامب البيت الأبيض، دون الالتزام بالتقاليد المعروفة التي تستدعي أن يستقبل مع عائلته، الرئيس الجديد مع عائلته، وحضور مراسيم التنصيب. العالم كله باستثناء إسرائيل تعرض للمعاناة، بسبب السياسة الأميركية في زمن ترامب الذي بدأ فترته الرئاسية قبل أربع سنوات بإلغاء العديد من القرارات التي كان اتخذها سلفه باراك أوباما، الرئيس الجديد هو الآخر، ينوي اتخاذ تدابير تنفيذية، لإلغاء العديد من القرارات التي كان اتخذها ترامب، في محاولة لاستعادة مكانة الولايات المتحدة التي ألحق بها ترامب إساءات كثيرة.


ترامب الذي يشعر بأن حزبه قد خذله، وأنه مدين للمجتمع الذي منحه دعماً كبيراً، سرقه منه خصومه، بسبب فساد النظام الديمقراطي، ينوي ان يتحول من رئيس سابق إلى زعيم جديد حيث بدأ يدرس مع بعض مناصريه إمكانية تشكيل حزب جديد. في حين تدور أسئلة الصحافيين والمراقبين حول أولويات السياسة الأميركية في عهد بايدن وما إذا كان سينفذ ما كان وعد به خلال الحملة الانتخابية.


أجندة البيت الأبيض خلال السنوات الأربع المقبلة حافلة ومكثفة بالعديد من الملفات المهمة والخطيرة سواء على الصعيد الداخلي او الخارجي. إزاء ذلك تذكر وكالات الأنباء ان بايدن ينوي إصدار سبعة عشر أمراً تنفيذياً كأول إجراء تتخذه الإدارة الجديدة. معظم تلك القرارات تتصل بالأوضاع الداخلية، بالهجرة والسفر، والجدار على الحدود مع المكسيك، ومواجهة جائحة كورونا ، وإنعاش الاقتصاد، وتطوير النظام الصحي وكلها وغيرها ملفات كانت إدارة ترامب قد اتخذت بشأنها قرارات وإجراءات مغايرة.


وعلى الصعيد الخارجي، ربما تشمل تلك الإجراءات، إعلان العودة لاتفاقية المناخ، ومنظمة الصحة العالمية، والاتفاق الدولي بشأن البرنامج النووي الإيراني، كإعلان مبدئي دون تجاهل ما يحتاجه الأمر من مفاوضات وشروط جديدة.


المهام التي تنتظر إدارة بايدن، ضخمة وشديدة التعقيد خصوصاً على الصعيد الداخلي، فالأمر لا يتعلق بقرارات إجرائية كالتي ذكرناها، وإنما يتعلق بحالة المجتمع الأميركي.
يغادر ترامب البيت الأبيض، ولكنه لا يغادر أفكاره المتطرفة وسياساته، التي تميزت بالتحريض على العنصرية، والعنف وادت الى انقسامات خطيرة في الحزب الجمهوري وفي المجتمع، وحالة من التوتر بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. يشهد على ذلك الوضع العام الذي يجري من خلاله احتفال التنصيب والذي يشير إلى مخاوف حقيقية، ما استدعى نشر آلاف الجنود وأفراد الشرطة، ضمن إجراءات صعبة، وكأن البلاد تعيش حالة طوارئ.


الولايات الخمسون شهدت تظاهرات احتجاجية في عواصمها، من قبل مناصري ترامب، وظهور العديد من المسلحين ما يشير أيضاً إلى ان ترامب قد يتحول الى رئيس حركة متمردة، تسعى لتجاوز الدستور، والأنظمة الديمقراطية.


إذا كانت الأوضاع الداخلية، ستكون الشغل الشاغل للإدارة الجديدة، التي وعدت بأن تكون إدارة لكل الأميركيين وانها ستعمل على معالجة الانقسامات في المجتمع ومواجهة التطرف والعنف، فإن ثمة شكا كبيرا في أن تنجح في تحقيق ذلك خاصة وأن عوامل ومحفزات هذا الوضع قائمة في التركيبة المجتمعية وقائمة بسبب وجود حواملها ومحفزاتها.
على الصعيد الخارجي، دائما تبدأ الحملة الأولى من سياسات الإدارات من تأكيد الموقف التاريخي، إزاء الالتزام بأمن وحماية إسرائيل وتعزيز العلاقات معها.
هذه الإدارة لم تخالف ذلك التقليد، فلقد بدأ كل من وزير الخارجية ووزير الدفاع، ومدير الاستخبارات، بهذه الجملة، حين وقفوا أمام لجان الكونغرس من أجل نيل الموافقة على ترشيحهم. كل شيء يتحرك في المنطقة، ينبغي ان يكون في صالح إسرائيل، فالبرنامج النووي الإيراني يشكل خطراً على إسرائيل قبل ان يكون خطراً على الوجود الأميركي في المنطقة.


التطبيع مرحّب به، لأنه يحقق الاستقرار، ويخدم إسرائيل، لأن كل حركة في المنطقة ينبغي ان تكون محكومة بما يخدم الدولة العبرية حتى حين يقول لينكند المرشح لمنصب وزير الخارجية ان الرئيس بايدن يفضل رؤية حل الدولتين، وربما يكون الحل الوحيد.


يعود بايدن الى السياسة التقليدية التي سارت عليها الإدارات الديمقراطية. فالدولة الفلسطينية، ليست مؤشراً على توازن السياسة الأميركية او الحرص على مصالح  وحقوق الفلسطينيين او على الالتزام بقرارات الأمم المتحدة وإنما لأن ذلك هو ما يخدم المصلحة الاسرائيلية، ويطيل عمرها.


خلال مطالعة المرشحين الثلاثة أمام لجان الكونغرس بدا وكأن الملف الأهم على الصعيد الخارجي، هو الملف الإيراني لتأكيد التزام الولايات المتحدة بمنع إيران من امتلاك قدرات نووية، حتى لو كانت لأغراض سلمية. إزاء هذا الملف تسعى إسرائيل لفصل ملف إيران عن ملف عملية السلام مع الفلسطينيين، فهل يمكن لإدارة بايدن تعمد ربط الملفين كما حاول ان يفعل الرئيس الأسبق، باراك أوباما؟.


الإدارة الجديدة لن تتراجع عن قرار ترامب بشأن نقل السفارة إلى القدس ، او إعلان السيادة الاسرائيلية على الجولان لكنها ستستعيد العلاقة مع السلطة الفلسطينية، بما في ذلك الدعم المالي للسلطة و» الأونروا » وإعادة فتح مكتب المنظمة في واشنطن. على ان ذلك، لا يكفي للمراهنة والتفاؤل بإمكانية تحقيق السلام خلال السنوات الأربع المقبلة، فأميركا ترامب بالنسبة لإسرائيل هي أميركا بايدن.
 

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد