الحالة الحزبية والسياسية في إسرائيل تتسارع بشكل أكبر بكثير من كل التوقعات. قلنا في مقالات سابقة إن الليكود لن يتماسك ولن يصمد طويلاً، وتوقعنا كما توقع آخرون أن يكون عنوان الانتخابات القادمة في إسرائيل، إما «ليكود» مشاركاً في الحكومة القادمة من دون نتنياهو، أو «ليكود» يغامر بالتحالف مع الأحزاب الدينية فقط بما يصل بالأمور إلى البقاء خارجها طالما بقي متمسكاً بقيادة نتنياهو.
كان هذا مجرد قراءة أو استقراء أو توقع.
الآن حُسمت الأمور على هذا الصعيد، ووصلت إلى الدرجة التي باتت معها مؤكدة.
فقد عقد حزب «أمل جديد» بقيادة جدعون ساعر وحزب «يمينا» بقيادة نفتالي بينيت اتفاقاً على فائض الأصوات سيحرم الليكود من الاستفادة منها.
كما عقد اتفاق مماثل بين ليبرمان ولبيد سيؤكد حرمان الليكود من فائض الأصوات هذه في إطار كل جبهة اليمين، إذ لا فائدة تُرجى من الأحزاب الدينية على هذا الصعيد.
الشيء الإضافي الذي حدث خلال أسبوع واحد فقط هو ظهور حزب جديد له حظوظ حقيقية مؤكدة بما يصل إلى عشرة مقاعد، ويمكن أن تصل إلى ضعف هذا الرقم بتحالفات ممكنة ومتاحة.
وهو حزب «الإسرائيليون» بقيادة رون خولدائي رئيس بلدية تل أبيب، والذي يتمتع بسمعة جيدة على ما يبدو.
وانشق خلال هذا الأسبوع عوفر شيلح عن حزب «يوجد مستقبل»، وأعلن عن حزب جديد بقيادة رئيس الموساد السابق داني ياتوم تحت اسم «المتقاعدون الجدد».
الانشقاقات والتحالفات على قدم وساق. فمن الممكن أن يتحالف ما تبقى من حزب العمل مع غانتس أو مع بقايا «أزرق ـ أبيض»، ويمكن أن تنشق أو بات بحكم المؤكد كتل جديدة من أحزاب قائمة، كما يمكن أن تدخل كتل جديدة إلى أحزاب جديدة.
كل هذا خلال أسبوع واحد فقط.
وقبل إغلاق القوائم النهائية ستشهد الساحة الحزبية المزيد من الانشقاقات والانزياحات والائتلافات وصيغ وأشكال التحالفات، وسنشهد ـ كما أرى ـ العجائب التي ستكون خارج كل منطق سياسي وخارج كل عقلانية سياسية.
فما الذي يجمع بين حزب ساعر ويمينا من جهة وبين حزب «يوجد مستقبل» على الصعيد الفكري من جهة أخرى؟
تحالف كهذا يحتاج إلى مشاركة حزب ليبرمان وتحالف «أزرق ـ أبيض» للحصول على أغلبية تزيد على ستين مقعداً من دون دعم حزب ميرتس والقائمة المشتركة، ومن دون مشاركة حزب الليكود في الحكومة إذا كان موقف الليكود إلى حين ذلك التمسك بنتنياهو.
أما إذا «استغنى» الليكود عن خدمات نتنياهو فإنه سينشطر من جديد إلى كتلتين رئيستين واحدة منهما ستكون جزءاً من التحالف الذي أشرنا إليه.
في هذه الحالة سيبقى في المعارضة جزء نتنياهو من الليكود، والأحزاب الدينية إضافة إلى ميرتس والقائمة المشتركة وحزب «الإسرائيليون». لكن هذا الاحتمال ليس ثابتاً. فحزب «الإسرائيليون» يمكن أن يبقى في المعارضة ولكنه يمكن أن يكون جزءاً من التحالف الأوسع، وفي هذه الحالة يكون هذا التحالف هو تحالف اليمين مع الوسط ومع يسار الوسط، ما يعني أن الحكومة في هذه الحالة لن تكون يمينية صرفة وخالصة، ويمكن أن يحد ذلك من الاندفاعات اليمينية المتهورة لبعض مكوناتها المحتمل.
ليس صحيحاً أن الحكومة القادمة ستكون حكومة يمينية مطعّمة ببعض الوسط في إسرائيل ليس إلاّ، لأن الوسط واليسار ليس هامشياً.
فإذا تمكنت «ميرتس» من الحصول على سبعة أو ثمانية مقاعد، وتمكنت القائمة المشتركة من العودة إلى مقاعدها الخمسة عشر، وإذا حصل حزب «الإسرائيليون» على مقاعد مماثلة كحزب جديد للوسط ويسار الوسط وذلك بالنظر إلى سمعة رئيس بلدية تل أبيب الجيدة ـ وهو أمر سيلعب دوراً مهماً في التصويت في ظل فساد الطبقة السياسية في إسرائيل ـ وانضم «أزرق ـ أبيض» مع بقايا حزب العمل وانضم حزب «يوجد مستقبل» فإن مشاركة شاس على سبيل المثال في تحالف كهذا قد تقلب الطاولة رأساً على عقب، وقد يفقد اليمين زمام الأمور كلها، وقد يحدث انقلاب على شكل زلزال سياسي في إسرائيل.
ما الذي يمكن أن يزكّي مثل هذا الاحتمال؟
الأحزاب الدينية كما هو معروف ليس لديها نفس الديناميكيات السياسية والحراك الذي تشهده الأحزاب المدنية.
وتكاد تكون الفروقات بين انتخابات وأخرى بالنسبة لهذه الأحزاب محصورة في مقعد واحد أو مقعدين إذا لم تكن هناك مشاكل داخلية خاصة بهذه الأحزاب.
يهم هذه الأحزاب قبل كل شيء مكتسباتها الطائفية، والحفاظ على الامتيازات التي تحصل عليها من كعكة الحكومة والدولة. أي أن حزباً مثل شاس يمكن أن ينضم إلى تحالف وسط ويسار في مرحلة معينة إذا كان ثمن عدم الانضمام يساوي خسارة الامتيازات والمكاسب.
المشكلة في هذه الحالة ليست عند حزب شاس بقدر ما هي عند الآخرين بقبول التحالف معه من اليسار ومن الوسط ومن القائمة المشتركة على حد سواء.
إلا أن لحظة الانقلابات السياسية تختلف مؤشراتها ومقاييسها عن لحظات الروتين السياسي، وهو ما قصدته من خروج التحالفات والائتلافات عن كل منطق وعقلانية سياسية.
ما زالت فرصة تحالف يميني مع بعض الوسط أقوى من فرصة الوسط واليسار بكثير، لكن التسليم المسبق بهذا المنطق، والركون إليه باعتباره مسلّمة سياسية ثابتة وغير قابلة للتغيير والتبديل هو أمر خاطئ، وليس فيه من الحكمة ما يكفي لقراءة الحالة السياسية والحزبية الملتبسة في إسرائيل.
والسؤال هنا: هل يمكن أن يتنازل جدعون ساعر عن شعاراته بإنهاء حقبة نتنياهو، وكذلك ما يعلنه نفتالي بينيت عن ضرورة التخلص من نتنياهو ويعودان للتحالف مع نتنياهو إذا أصبح مثل هذا «الانقلاب» وارداً؟
وهل سيظل لهما أي مجال للتماسك والإبقاء على حزبيهما في مثل هذه الحالة؟
ألا يعني الوصول إلى حالة من هذا النوع المغامرة بتشظيات وانشطارات زلزالية في حزبيهما إلى درجة «بعثرة» اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل بصورة انقلابية كاملة؟
تحاول الدعاية اليمينية واليمينية المتطرفة في إسرائيل تصوير الانتصار «الساحق» لليمين في الانتخابات القادمة باعتباره تحصيلَ حاصل، ومن قبيل البديهيات والمسلّمات التي لا تقبل الجدل والنقاش.
أما أنا فلا أرى أي حكمة، في انجرارنا إلى دائرة هذا المنطق والتفكير.
المعركة ليست سهلة وحظوظ اليمين واليمين المتطرف هي الأقوى، وهي المرجحة، لكن هذا شيء والاعتقاد بأن الأمور قد حسمت، وانتهت عند هذا الحد هو شيء آخر.
كما لا يجوز استبعاد العامل الأميركي عن خضم هذا المعترك الانتخابي، إذ إن رحيل ترامب، ومجيء إدارة جديدة سيلقي حتماً بظلاله على هذا المعترك، ومن المحتمل أن يحفّز الذهاب نحو منطقة الوسط.
كما لا يمكن إغفال تأثير التطورات لتي ستفرزها الحالة الاقتصادية والاجتماعية في ضوء أزمة الجائحة، ودور المغامرات السياسية والأمنية التي يمكن أن يقدم عليها ويشجعها اليمين في الأشهر الثلاثة القادمة، بما تحمله هذه الفترة الحساسة من أخطار وأهوال ومفاجآت.
المصدر : وكالة سوا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية