ستظل تصريحات القيادي الحمساوي محمود الزهار عن إدارة ذاتية أو مدنية أو حكم ذاتي ل غزة وتداعياتها على المصالحة الوطنية مثار جدل ونقاش في الاوساط السياسية والاعلامية لزمن يفترض أن تشهد الساحة الفلسطينية أحداثا دراماتيكية تبطل مفعول قنبلة الزهار أو تتحول الى واقع.


تفوق شهرة الزهار محليا وعربيا ما لهنيه ومشعل، رغم أنه يأتي تاليا لهما في الترتيب الحزبي. قلما يصعد منبر الخطابة في المساجد، ربما لانه لا يملك ما لاخوانه من قدرة على الخطابة الشعبية - دعك من السمات الطيبة، لسنا في معرض بحث عن الجوانب الانسانية - ما أن تسمع اسم الزهار حتى يتبادر الى الذهن صورة المشاكس العنيد والمثير للجدل بل والمنفر أحيانا ,لكنه الواضح والصادق في اختيار مفرداته. تغيب عنه المفردات الندية الطرية الدبلوماسية وتحضر المفردات الصادمة والمباشرة التي تحمل اتهامات مفرطة في القسوة ولا تحتاج تفسيرا أو بحث فيما وراء الكلمات.


هو الشيخ والطبيب، رئيس الدبلوماسية في حكومة حماس والقائد العسكري ..يجمع التناقضات المهنية احيانا فيحار المرء هل يأخذ كلامه على محمل الجد، أم هي مناورة لتحريك المياه الراكدة؟


يُحكى أن الامام مالك سُئل في خمس مسائل فأجاب عن ثلاث وسكت عن اثنتين. أما اليوم فيكفي لحية وعباءة ومسبحة وزبيبة صلاة ليجيب سماحته عن كل المسائل من تفاحة ادم إلى تفاحة نيوتن ومن سفينة نوح إلى سفينة التايتانيك.


هناك فرق بين الخطب الدينية والخطب الجماهيرية .في الاولى يتحدث الخطيب فلا يقاطعه أحد، وفي الثانية تقاطعه الجماهير بالتصفيق والهتاف فتمنحه لحظات من التفكير في الفقرة التالية، لكنها قد تجرفه لقول ما يريد الجمهور الاستماع اليه, وليس ما يريد قوله. القادة الاسلاميون مدمنون على المايكروفونات، لا يستطيعون الابتعاد عنها، واذا ما اقتربوا فلا فكاك لهم عنها دون قول كل ما يريدون. يعرفون أن كل كلمة تكون محسوبة باعتبارها فتوى أو قرارا حزبيا ودينيا، لكن الحشد الكبير يغري أي زعيم باطلاق مواقف سياسية كبيرة وغير محسوبة أحيانا.


ماذا تعني كلمات الزهار غير تكريس الانقسام بانفصال غزة عن الضفة . وما قيمة أن تقيم حماس سلطة أو إدارة ذاتية أو إمارة لا يعترف بها أحد وقد يكون من نتائجها مضاعفة الحصار الذي نعاني منه منذ ثماني سنوات؟!


ذات يوم أخذ الزهار وصحبه على الرئيس أبو مازن وصفه اطلاق الصواريخ بالعبثية، بعدها أعلن الزهار نفسه وتحديدا عام2010 أن من يطلق الصواريخ "مشبوه ولا وطني"، وقبل ذلك بعامين كشف عن اتفاق مع حركة الجهاد الاسلامي باعتقال من يطلق الصواريخ على اسرائيل وتجريده من سلاجه، لان هذا – حسب وصفه – مخالف لبرنامج المقاومة بل برنامح تخريب المقاومة.


أيضا، اليوم يعيد الزهار ما طرحه اسحاق رابين عام 1988 لوقف الانتفاضة، كما قالت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بيان عضو مكتبها السياسي كايد الغول التي أعلنت فيه رفضها لأي مبادرات أو دعوات تهدف لفصل القطاع باعتبار أن الفصل أصلا مشروع صهيوني تم تداوله في مناسبات عديدة.


لا نتهم شيخنا حارس الفضيلة الدكتور محمود الزهار، لكن ما صرح به ليس هواجس وافكار واحتمالات للخروج من مأزق غزة بقدر ما ألمح الى أنها رؤية وسياسة مبيتة لدى حركة حماس ترافقها إجراءات عملية أحادية الجانب تتمثل في مفاوضات غير مباشرة وغير معلنة مع اسرائيل تمس الشرعية الفلسطينية والوحدة الوطنية، فضلا عن تجميد المقاومة لسنوات طويلة. أما استمرار الحديث عن المقاومة في ظل البرنامج الجديد أو الرؤية الجديدة للزهار فهو كمن يضع سرجين على فرس واحد أو كمن يركب فرسين في آن واحد.


في السابق، حاولت حركة حماس إيجاد شريك فلسطيني لها في إدارة غزة من خلال "هيئة وطنية" دون جدوى، ويبدو أن إعادة الفكرة تدغدغ مخيلة قادتها، وتشي برغبتهم للعودة إلى الحكم والانفصال عن الضفة كحل نهائي لأزمة وطنية ما كان يحب أن تكون.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد