بقلم : مصطفى إبراهيم

25/12/2020

حسب التطورات الحاصلة في الساحة الإسرائيلية قد تبدو الكنيست القادمة التي تظهر في استطلاعات الرأي خلال الأسابيع الأخيرة مفاجئة ومختلفة، لكنها تعكس الواقع من نواح عديدة المواقف العامة في السنوات الأخيرة. وأن الخطاب السياسي ليس سياسيًا ولا اقتصاديًا، بل شخصية رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو فقط.

حتى وإن حاولت الأحزاب الإسرائيلية الإطاحة بنتنياهو، فجميعها تسعى لتحقيق المشروع الصهيوني على أراضي اسرائيل الكاملة، من خلال ترسيخ السيطرة على الأراضي المحتلة، خاصة مناطق ج، والعمل على حسم الصراع من خلال فرض وقائع على الأرض.

وعلى الرغم من أن إستطلاعات الرأي لا تمكن نتنياهو تشكيل الحكومة في الانتخابات القادمة، إلا أنه يتفوق على خصومه ويراه الإسرائيليون بانه الشخص الأنسب لتولي رئاسة الحكومة، وهي صيغة مكررة منذ سنوات.

تطورات الساحة الاسرائيلية تربك الأحزاب السياسية، وتشعل المنافسة بين الاحزاب اليمينية الايديولوجية الاتية من رحم الليكود وتضرب اليمين وبقايا ما يسمى اليسار الذي لم يعد قائما بعد تفكك المعسكر الصهيوني، والانزياح التدريجي للنخب التقليدية العمالية الاشكنازية، مقابل دخول النخب الدينية والدينية الاستيطانية، وتزايد سيطرة النخب الدينية الاستيطانية على الجيش وفي عملية اتخاذ القرار العسكري والسياسي.

وفي ظل هذه المنافسة سيحاول نتنياهو أن يشكل ائتلافا معتدلا أكثر ومركزيا أكثر، وطرح قضايا مثل حديثه المعهود عن السلام مقابل السلام، والضم وزيادة الاستيطان وتحرج اليمين، وبشكل لا يغضب الإدارة الأمريكية الجديدة، المنافسة الجارية بين اليمين واليمين ليست الأولىى ايضا التي ينشق فيها قيادى من الليكود، وبالمناسبة هي فرصة لليمين لجذب الأصوات من انحلال احزاب الوسط وما يسمى اليسار.

وحزب ازرق ابيض هو أحد غنائم ضحايا نتنياهو، وهذا يوضح الصورة التي نراها في استطلاعات الرأي من تصاعد أصوت حزب المنشق عن الليكود جدعون ساعر، وهو يشبه إلى حد ما صعود وأفول نجم حزب كاديما، وهذا يوضح أيضا عدم تأثر في حزب الليكود كثيرا الذي لا يزال يحافظ على قوته.

اليوم تتضح الصورة ولا تختلف كثير بعد دخول ساعر المعركة، وقد تكون فرص نتنياهو محدودة في هندسة تحالف يميني يمكنه من رئاسة الحكومة، والحفاظ على قيادته في ظل ترسيخ قوة اليمين وهيمنته وتعدد أقطابه خاصة النخب الدينية والدينية الاستيطانية، وتزايد سيطرة هذه النخب على الجيش، وفي عملية اتخاذ القرار العسكري والسياسي.

وبناء على ذلك وهذا الوضوح في السياسة الاسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية واستكمال المشروع الصهيوني، وغض القيادة الفلسطينية النظر عن فهم معاني ما يجري في إسرائيل، وبرغم ذلك مستمرة في تطبيع العلاقة مع إسرائيل وانتظار بايدن، وممارسة سياسة المهزوم العاجز عن تقديم البدائل والخيارات والفرص بالتحرر من الإحتلال.

وأي تفويض علني وأخلافي الذي يمنح القيادة الفلسطينية بالاستمرار في عودة العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية، ومنحها شرعية في استمرار الاحتلال، وهل القضايا المصيرية التي تتخذ على أساس التفرد باسم المصلحة الوطنية، والقضية الفلسطينية تعيش هذا المأزق العميق، في ظل تسارع تطور المشروع الصهيوني الإستعماري الإستيطاني، والتغيرات الإقليمية والدولية.

تجاهل استمرار الاحتلال والفصل العنصري، وتعمق الآثار طويلة المدى لطبيعة علاقة السلطة بإسرائيل والاتفاقيات الموقعه معها تزيد من شعور الفلسطيين بالغربة والإحباط، حتى على الرغم من ارتباط الشعب الفلسطيني بحقه في التحرر وبوطنه والإدراك بأن حلم الإستقلال لا يمكن أن يتحقق في المستقبل القادم.

ومع استمرار الإنقسام وغياب الرؤية الوطنية للخروج من المأزق وعدم تحقيق العدالة وإنهاء الاحتلال بعد ثلاثة عقود من المفاوضوا ومحاولات الوصول للسلام، وتعزيز العلاقات مع دول الخليج ودول عربية أخرى بعقد اتفاقيات السلام مقابل السلام، وهذا يعزز بالاضافة لعودة علاقات السلطة مع إسرائيل من تشتيت انتباه الرأي العام الدولي عن تعميق السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين الذين يعانون الإحتلال وظلمه.

وخداع نتنياهو للعالم والعرب يسهلون من مهمته بادعائه تحقيق السلام وشعاراته الممجوجة والمخادعة حول السلام، وكل ذلك من أجل ايهام المجتمع الدولي المعارض للإحتلال ومواجهة محاولة نزع الشرعية عن الإحتلال والإستيطان الذي يتحول ببطء من حالة مؤقتة الى حالة دائمة، وهذا ما سعى اليه نتنياهو والحكومات الاسرائيلية المتعاقبة وستسعى له الحكومات الإسرائيلية التالية.

القيادة الفلسطينية لا تزال تؤمن بالسلام، وهي أيضا تسهل بطريقة مباشرة او غير مبارة من تعزيز الاحتلال، أيضا نتنياهو يدعي انه يؤمن بالسلام مقابل السلام، ورابين قبله كان يؤمن السلام وحصل على جائزة نوبل للسلام، وهكذا يراه المجتمع الدولي، وفي الحقيقة أنه لم يكن أبداً رجل سلام.

وهو الذي صاغ الحل النهائي مع الفلسطينيين بإقامة كيان فلسطيني يتمثل بسلطة حكم ذاتي، وعدم الاعتراف بدولة داخل حدود عام 1967 وهو أمر غير ممكن، وهناك إجماع صهوني على ذلك، و القدس موحدة وعاصمة اسرائيل، وغيرها من القضايا وما نراه من تزايد عمليات الاستيطان والضم الزاحف، يؤكد على استمرار مشروع وفكرة أراضي إسرائيل الكاملة، والتي لم تعد فكرة اليمين فقط.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد