يواصل المفاوضون الأوربيون والبريطانيون المفاوضات المشحونة ليل نهار في محاولة للوصول إلى اتفاق للخروج البريطاني من الاتحاد الاوروبي قبل حلول 31 ديسمبر 2020 و هو الموعد النهائي غير القابل للتمديد. فهل تخرج بريطانيا باتفاق أم دون اتفاق. لغاية الآن لا توجد مؤشرات للوصول إلى اتفاق.
نبذة تاريخية:-
أصبحت بريطانيا عضوا في الاتحاد الاوربي في يناير 1973 بعد محاولات عديدة فاشلة للإنضام، حيث تقدمت للعضوية مرتين في عامي 1963 و1967، هذه الطلبات واجهت الرفض خاصة من الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول الذي برر ذلك بالقول : إنَّ عددًا كبيرًا من خصائص الاقتصاد البريطاني لا تتفق مع أوروبا، وإنَّ بريطانيا تكنُّ عداءً كبيرًا لأي مشروع أوروبي. عضوية بريطانيا لم تكن كاملة كما هي الحال مع معظم الدول 27 في الاتحاد الاوروبي، فقد بقيت بريطانيا محتفظة بعملتها الخاصة بها( الجنيه الاسترليني) ولم تشملها التأشيرة الاوروبية الموحدة( الشينجين) والمطبقة في دول أعضاء الاتحاد الاوروبي. بعض الدراسات تشير أن بريطانيا كانت مستفيدة كثيرا من عضويتها من خلال الاحتفاظ بعملتها الخاصة بها و تأشيرة الدخول إليها. رغم ذلك، لم يكن إنضمام بريطانيا إلى الاتحاد الاوروبي موضع إجماع من الشعب البريطاني، حيث تم إستفتاء الشعب البريطاني عدة مرات( 1975 و1977و1980) حول البقاء أم الخروج، كانت أغلبية بسيطة تصوت للبقاء. بل أسقطت العديد من الحكومات البريطانية على خلفية مدى الاندماج في أو الاستقلال عن الاتحاد الاوروبي. حتى جاء الاستفتاء الاخير في يونيو عام 2016 والذي صوت فيه 52% من الشعب البريطاني مع الخروج من الاتحاد الاوروبي فيما أطلق عليه عملية (Brexit).
خروج صلب أم لين؟
منذ تصويت الشعب البريطاني على الخروج و سقوط حكومة رئيس الوزراء البريطاني الاسبق ديفيد كاميرون على إثر ذلك، بدأت مفاوضات بين الطرفين للخروج الآمن( لين) لتجنب حدوث صدمات في حال الخروج دون إتفاق. حيث تم تمديد فترة المفاوضات عدة مرات بسبب الفشل في الوصول إلى الخروج باتفاق. حيث تم الاتفاق بين الطرفين في سبتمبر 2018 على تحديد نهاية ديسمبر من هذا العام 2020 كحد أقصى للوصول و التوقيع على اتفاق للخروج و إلا سيكون خروج صلب (دون إتفاق). في هذه الأثناء تبقى المملكة المتحدة فعليًا عضوا في الاتحاد الأوروبي ولكن بدون حقوق تصويت. الخروج دون إتفاق( صلب) أو مع إتفاق( لين) هي مصطلحات غير رسمية إبتكرتها وسائل الإعلام لتوصيف العلاقة المستقبلية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد الانسحاب. المقصود بالخروج الصلب(دون إتفاق) هو خروج دون أي إتفاق بين الطرفين مع إخضاع حركة التجارة و الافراد لقوانين منظمة التجارة العالمية كما هي الحال مع الدول الاخرى. كذلك حرمان بريطانيا من الاستفادة من الخدمات المتنوعة التي تقدمها الهيئات المتعددة للإتحاد الاوروبي مثل وكالة سلامة الطيران الأوروبية و غيرها. في حين يقصد بالخروج اللين(إتفاق) هو خروج بريطانيا مع بقاء بعض الاتفاقيات الخاصة التي تسمح بحركة البضائع و الافراد مع الاتحاد الاوروبي كما هو الحال مع سويسرا و النرويج.
تكاليف و تداعيات الانسحاب دون إتفاق:-
حسب دراسات عديدة فإن تداعيات الخروج من الاتحاد الاوروبي ستكون سيئة للاقتصاد البريطاني خاصة و للمجتمع عامة. فقد قدّر منشور صادر عن وزارة الخزانة البريطانية (نوفمبر 2018) أن الاقتصاد البريطاني سيكون أسوأ بنسبة 3.9٪ خلال 15 عامًا قادمة مقارنة بالبقاء في الاتحاد الأوروبي. كذلك قدرت تقارير رسمية أخرى أن الخروج البريطاني سيحد من هجرة الكفاءات من دول المنطقة الاقتصادية الأوروبية إلى المملكة المتحدة مما سيطرح تحديات أمام التعليم العالي في المملكة المتحدة والأبحاث الأكاديمية. كذلك يتوجب على بريطانيا دفع فاتورة الخروج " الطلاق" وهي قيمة المساهمة البريطانية المتراكمة غير المدفوعة لحساب موازنة الاتحاد الاوروبي والتي تقدر بــ 39 مليار جنيه إسترليني. الوزير البريطاني المكلف بملف الخروج صرح أن الحكومة البريطانية لن تدفع هذه الفاتورة في حال الخروج دون إتفاق. إن تداعيات الخروج البريطاني دون إتفاق عديدة منها الفوري و منها سيأخذ وقتا كي يظهر، يمكن تلخيص بعض التداعيات الاساسية كما يلي :
- إرتفاع تكاليف التجارة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. ذلك لأن بريطانيا والاتحاد الأوروبي سوف يتداولان تجاريا وفقًا لشروط منظمة التجارة العالمية. مثلا سيفرض الاتحاد الأوروبي رسوم جمركية على البضائع القادمة من بريطانيا بمعدل 2.8% للمنتجات غير الزراعية وبنسبة 10% على السيارات و35% على منتجات الألبان. مما سيقلل من الميزة التنافسية لهذا القطاعات في السوق الاوروبي. قضية الصيد البحري من أبرز النقاط خلال المحادثات التجارية. فبدون اتفاق، قد تتضرر صادرات الأسماك البريطانية إلى الاتحاد الأوروبي بشدة من الرسوم الجمركية.
- بسبب عدم التماثل في معايير الغذاء و الدواء بين الاتحاد الاوروبي و بريطانيا، فقد تواجه هذه السلع مشاكل تعيق دخولها و بيعها في الاسواق الاوروبية. كذلك ستتواجد قوائم انتظار طويلة للشاحنات على الحدود مع فرض قيود إضافية تحد من حرية و سهولة الحركة للافراد و البضائع.
- سيكون من الصعب على الشركات البريطانية مواصلة العمل في منطقة الاتحاد الأوروبي حيث ستعتبر أجنبية. لذا فقد بدأ آلاف الموظفين البريطانيين ترتيباتهم لمغادرة وظائفهم في دول الاتحاد الاوروبي والعودة إلى بريطانيا. كذلك بدأت عشرات الشركات الضخمة والمصانع والبنوك بمغادرة بريطانيا إلى دول الاتحاد الاوروبي، خاصة إلى فرنسا و ألمانيا كي تضمن تواجدها في سوق أوسع و التمتع بالمزايا التي يوفرها الاتحاد الاوروبي. على سبيل المثال، فإن مجموعة سيتي جروب بدأت بنقل الأصول الأوروبية من لندن خوفا من عدم قدرة البنوك البريطانية على بيع خدماتها في أوروبا و تخطط المجموعة بنقل أصول بقيمة تريليون جنيه استرليني و سبعة آلاف وظيفة. كذلك عبرت شركة صناعة السيارات الألمانية (BMW) عن خشيتها من أن يؤدي الخروج الفوضوي من الاتحاد الأوروبي (خروج دون اتفاق) لوقف العمل في مصنعها في مدينة أوكسفورد.
- يتوجب على عشرات الالاف من البريطانيين الذين يعيشون ويعملون في دول الاتحاد الاوروبي القرار إما البقاء و التقدم لطلب الجنسية أو الاقامة وإما العودة إلى بريطانيا. يعيش في بريطانيا حوالي مليون مواطن فرنسي وحوالي نصف مليون بريطاني يعيشون في فرنسا. قد يضطر البعض منهم للإصطفاف أمام أبواب دوائر الجنسية في باريس و لندن لتقديم طلبات الحصول على الجنسية. آلاف الاسر المختلطة عليها أن تقرر إما مواصلة العيش في بلد الزوج\الزوجة أم المغادرة إلى البلد الآخر.
صحيح إنها عملية معقدة جدا ومتشابكة وستتطلب تخصيص موازنات ضخمة لتنفيذها وستستغرق سنوات عديدة لإنجازها، لكنها تتم في أجواء متحضرة وبمستوى عال من المسؤلية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية